للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن العجيب أن المرجئة استدلت ببعض الأدلة السابقة على إن الإيمان هو مجرد التصديق القلبي، وأن أعمال الجوارح - بل بقية أعمال القلب - ليست من الإيمان، فهذا هو ذا (الإيجي) في (المواقف) يذكر مذهب أصحابه الأشاعرة: وهو أنه التصديق، ومذهب الماتريدية، وهو أنه التصديق مع الكلمتين، ويذكر (مذهب السلف وأصحاب الأثر: أنه مجموع هذه الثلاثة، فهو تصديق بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان) (١).

ثم يقول في الانتصار لمذهبه: (لنا وجوه (٢):

الأول: الآيات الدالة على محلية القلب للإيمان نحو: أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ [المجادلة: ٢٢]، وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات: ١٤]، وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ [النحل: ١٠٦].

ومنه الآيات الدالة على الختم على القلوب، ويؤيده دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم ثبت قلبي على دينك)) (٣) وقوله لأسامة - وقد قتل من قال لا إله إلا الله - ((هلا شققت عن قلبه)) (٤).) (٥).

والرد عليهم واضح، فإن النصوص الدالة على الجزء الباطن من الإيمان لا تنفي وجود الجزء الظاهر - لا سيما ولهذا الجزء نصوص مماثلة - وغاية ما فيها بيان أن إيمان القلب هو الأصل والأساس لإيمان الجوارح كما تقدم.

ثانيا: من جهة ثانية هذه النصوص لا تدل على التصديق بل على أمر زائد عنه، فما كتبه الله في قلوب المعادين لأعدائه وما زينه في قلوب المؤمنين وما نفى دخوله في قلوب الأعراب وهكذا، ليس هو التصديق المجرد كما يحسبون وإنما هو أعمال قلبية كالمحبة والرضا واليقين ونحوها.

ثالثا: ومن جهة ثالثة يرد عليهم بأن من تأمل هذه النصوص التي أوردها صاحب المواقف يجد أنها تدل على إيمان الجوارح بنوع من أنواع الدلالة، وأن الإيمان المذكور في بعضها ليس هو الإيمان العام المقابل لكلمة (الكفر) والمرادف لكلمة (الدين)، بل هو الإيمان الخاص المقابل لكلمة (الإسلام) إذا اجتمعا، أي على النحو الذي دل عليه الحديث السابق: ((الإسلام علانية والإيمان في القلب)) (٦) ولا مجال للبسط أكثر من هذا.


(١) ((المواقف)) (٣/ ٥٢٧، ٥٢٨).
(٢) انظر إلى تصريحه بمذهب السلف وأصحاب الأثر ثم تصريحه بمخالفة أصحابه، ومع هذا يزعم معاصروهم أنهم أهل السنة والجماعة أو منهم!!
(٣) رواه الترمذي (٢١٤٠)، وابن ماجه (٣١٠٧)، وأحمد (٣/ ١١٢) (١٢١٢٨)، والحاكم (١/ ٧٠٧). من حديث أنس رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن، وحسنه أيضاً ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (١/ ٩٩) كما أشار لذلك في المقدمة، وقال المناوي في ((تخريج أحاديث المصابيح)) (١/ ١١٢): رجاله رجال مسلم في الصحيح، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(٤) رواه مسلم (٩٦). من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
(٥) ((المواقف)) (٣/ ٥٢٨)، ثم ذكر وجهين آخرين الرد عليهما واضح ....
(٦) رواه أحمد (٣/ ١٣٤) (١٢٤٠٤). من حديث أنس رضي الله عنه. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١/ ٥٧): رواه أحمد وأبو يعلى بتمامه، والبزار باختصار ورجاله رجال الصحيح ما خلا علي بن مسعدة وقد وثقه ابن حبان وأبو داود الطيالسي وأبو حاتم وابن معين وضعّفه آخرون، وقال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الضعيفة)) (٦٩٠٦): منكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>