للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أفسد الأصول التي بناها المرجئة على هذا الاعتقاد - أي انحصار الإيمان في التصديق القلبي وحده - أنهم حصروا الكفر في التكذيب القلبي أيضا، حتى أنهم لم يعتبروا الأعمال الكفرية الصريحة كالسجود للصنم، وإهانة المصحف، وسب الرسول صلى الله عليه وسلم إلا دلالات على انتفاء التصديق القلبي، وليست مكفرة بذاتها (١).

وكذلك لهذه العقيدة آثار عميقة المدى على الأمة، بل هي في عصرنا هذا أساس للضلال والتخبط الواقع في مسألة التكفير، ومنها نشأ التوسع في استخدام (شرط الاستحلال) حتى اشترطوا في أعمال الكفر الصريحة، كإهانة المصحف، وسب الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلغاء شريعة الله، فقالوا: لا يكفر فاعلها إلا إذا كان مستحلا بقلبه!! واشترط بعضهم مساءلة المرتد قبل الحكم عليه، فإن أقر أنه يعتقد أن فعله كفر، وإن قال أنه مصدق بقلبه ويعتقد أن الإسلام أفضل مما هو عليه من الردة لم يكفروه (٢)!! ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي لسفر الحوالي – ٢/ ٥٣٤


(١) وهذا من الأصول الثابتة في مذاهب الأشاعرة قديما وحديثا، انظر مثلا: ((المواقف)) (٣/ ٥٣٦)، وبراءة الأشعريين (١/ ١٤٩)، ومن أعظم الرد عليهم أن الأشعري نفسه في ((المقالات)) (١/ ١٣٢،١٣٣،١٤١) ذكر هذه الأقوال نفسها عن فرق المرجئة: كالجهمية والصالحية والمريسية وهذا يدل على صحة ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيميه مرارا، وما استنتجناه من بحثنا هذا، وهو أن الأشاعرة على مذهب جهم والصالحى وإن غيروا قليلا.
(٢) وغرضهم هو التثبيت في إطلاق الكفر – بزعمهم – وهذا إلى أفعال الحمقى أقرب منه إلى أفعال المثبتين، وإلا فهل يذهب عاقل إلى طاغوت محارب للشريعة أو إلى زعيم حزب شيوعي فيسأله هل يعتقد أن الإسلام أفضل؟؟!!

<<  <  ج: ص:  >  >>