للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: (وكثير من أهل الكلام في كثير مما ينصره، لا يكون عارفا بحقيقة دين الإسلام في ذلك، ولا ما جاءت به السنة، ولا ما كان عليه السلف، فينصر ما ظهر من قولهم بغير المآخذ التي كانت مآخذهم في الحقيقة، بل بمآخذ أخر، قد تلقوها عن غيرهم من أهل البدع، فيقع في كلام هؤلاء من التناقض والاضطراب والخطأ ما ذم به السلف مثل هذا الكلام وأهله، فإن كلامهم في ذم مثل هذا الكلام كثير. والكلام المذموم هو المخالف للكتاب والسنة، وكل ما خالف الكتاب والسنة فهو باطل وكذب، فهو مخالف للشرع والعقل وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا [الأنعام:١١٥].

فهؤلاء لما اشتهر عندهم عن أهل السنة أنهم يستثنون في الإيمان، ورأوا أن هذا لا يمكن إلا إذا جُعل الإيمان هو ما يموت العبد عليه، وهو ما يوافي به العبد ربه، ظنوا أن الإيمان عند السلف هو هذا، فصاروا يحكون هذا عن السلف. وهذا القول لم يقل به أحد من السلف، ولكن هؤلاء حكوه عنهم بحسب ظنهم، لمّا رأوا أن قولهم لا يتوجه إلا على هذا الأصل، وهم يدَّعون أن ما نصروه من أصل جهم في الإيمان هو قول المحققين والنظار من أصحاب الحديث) (١).

ونقل شيخ الإسلام عن أبي القاسم الأنصاري شارح "الإرشاد" فيما حكاه عن أبي إسحاق الإسفرائيني، لما ذكر قول أبي الحسن الأشعري وأصحابه في الإيمان، وصحح أنه تصديق القلب، قال: ومن أصحابنا من قال بالموافاة وشرط في الإيمان الحقيقي أن يوافي ربه به ويختم عليه، ومنهم من لم يجعل ذلك شرطا فيه في الحال.

(ثم قال - أي الأنصاري -: والذي اختاره المحققون أن الإيمان هو التصديق، وقد ذكرنا اختلاف أقوالهم في الموافاة، وأن ذلك هل هو شرط في صحة الإيمان وحقيقته في الحال، وكونه معتدا عند الله به، وفى حكمه. فمن قال: إن ذلك شرط فيه، يستثنون في الإطلاق في الحال، لا أنهم يشكون في حقيقة التوحيد والمعرفة، لكنهم يقولون: لا يدرى أي الإيمان الذي نحن موصوفون به في الحال، هل هو معتد به عند الله؟ على معنى أنا ننتفع به في العاقبة، ونجتني من ثماره) (٢).

قال شيخ الإسلام: (وأما الموافاة فما علمت أحدا من السلف علل بها الاستثناء، ولكن كثير من المتأخرين يعلل بها من أصحاب الحديث، من أصحاب أحمد ومالك والشافعي وغيرهم، كما يعلل بها نظارهم كأبي الحسن الأشعري، وأكثر أصحابه، لكن ليس هذا قول سلف أصحاب الحديث) (٣).

وقال: (وهؤلاء يقولون إن حب الله وبغضه ورضاه وسخطه وولايته وعداوته إنما يتعلق بالموافاة فقط، فالله يحب من علم أنه يموت مؤمنا، ويرضى عنه ويواليه بحب قديم وموالاة قديمة، ويقولون: إن عمر حال كفره كان وليا لله، وهذا القول معروف عن ابن كلاب ومن تبعه كالأشعري وغيره.

وأكثر الطوائف يخالفونه في هذا، فيقولون بل قد يكون الرجل عدوا لله ثم يصير وليا لله، ويكون الله يبغضه ثم يحبه، وهذا مذهب الفقهاء والعامة، وهو قول المعتزلة والكرامية والحنفية قاطبة وقدماء المالكية والشافعية والحنبلية.


(١) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٤٣٥) وما بعدها.
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٤٣٧).
(٣) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٤٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>