للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنبيه مهم: قال إمام الأئمة ابن خزيمة رحمه الله: فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ربما اختصروا أخبار النبي صلى الله عليه وسلم إذا حدثوا بها، وربما اقتصوا الحديث بتمامه، وربما كان اختصار بعض الأخبار أن بعض السامعين يحفظ بعض الخبر ولا يحفظ جميع الخبر، وربما نسي بعد الحفظ بعض المتن. فإذا جمعت الأخبار كلها علم حينئذ جميع المتن والسند، (و) دل بعض المتن على بعض، كذكرنا أخبار النبي صلى الله عليه وسلم في كتبنا، نذكر المختصر منها، والمتقصى منها، والمجمل والمفسر، فمن لم يفهم هذا الباب لم يحل له تعاطي علم الأخبار ولا ادعاؤها). اهـ (١).

وقال رحمه الله أيضاً: (والناظر في أحاديث الشفاعة يجد هذا بجلاء، بل لا تكاد ترى حديثاً في هذا الباب إلا وفيه إجمال أو إبهام، والموفق من وفقه الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله (٢).

ثانياً: كلام أهل العلم حول الحديث، وبيان خطأ من استشهد به على نجاة تارك العمل الظاهر كلية دون عذر، وذلك من عدة أوجه:

الوجه الأول: أن هذا الحديث لا يمكن الأخذ بظاهره والاكتفاء به دون تقييده بالأدلة الأخرى. وبيان ذلك: أن التدرج المذكور في الحديث:

((فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه)).

((فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه)).

((فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه)).

((ثم قول الملائكة بعد ذلك: ربنا لم نذر فيها خيرا)).

ثم قول الله عز وجل: ((شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط)).

هذا التدرج يدل بظاهره على أن هؤلاء ليسوا من أهل التوحيد، فليس معهم شيء من إيمان القلب، ولا مثقال ذرة من خير، ولم يعملوا خيراً قط، لا من أعمال الجوارح ولا من أعمال القلوب، كما يفيده هذا النفي.

ولم يذكر في الحديث أنهم قالوا: (لا إله إلا الله)؛ ولهذا احتج به بعض أهل البدع على إخراج غير المؤمنين من النار. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: تنبيه، قرأت في (تنقيح الزركشي): وقع هنا في حديث أبي سعيد بعد شفاعة الأنبياء، فيقول الله: ((بقيت شفاعتي فيخرج من النار من لم يعمل خيراً)).

وتمسك به بعضهم في تجويز إخراج غير المؤمنين من النار.

ورد بوجهين:

أحدهما: أن هذه الزيادة ضعيفة؛ لأنها غير متصلة كما قال عبد الحق في (الجمع) (٣).

والثاني: أن المراد بالخير المنفي ما زاد على أصل الإقرار بالشهادتين، كما تدل عليه بقية الأحاديث.

هكذا قال، والوجه الأول غلط منه، فإن الرواية متصلة هنا، وأما نسبة ذلك لعبد الحق فغلط على غلط؛ لأنه لم يقله إلا في طريق أخرى وقع فيها: ((أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من خير ... )) قال: هذه متصلة. اهـ (٤).

وقد نسب الشيخ الألباني رحمه الله (٥) هذا الوجه الثاني إلى الحافظ ابن حجر، ولم ينبه على أنه كلام الزركشي وارتضى هذا الجواب، ومثل للأحاديث المشار إليها في كلام الزركشي بحديث أنس رضي الله عنه الطويل في الشفاعة.


(١) ((كتاب التوحيد)) للإمام ابن خزيمة رحمه الله (٢/ ٦٠٢).
(٢) ((كتاب التوحيد)) للإمام ابن خزيمة رحمه الله (٢/ ٧٠٧).
(٣) ((الجمع بين الصحيحين)) لعبد الحق الإشبيلي (١/ ١٥٦).
(٤) ((فتح الباري)) (١٣/ ٤٢٣).
(٥) ((حكم تارك الصلاة)) (ص: ٣٢، ٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>