للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولهم: إن المراد بالخير المنفي ما زاد على أصل الإقرار بالشهادتين. قد يفهم منه اشتراط التصديق وعمل القلب، وقد ينازع في هذا الفهم؛ ولهذا كان أجود منه قول الطيبي: هذا يؤذن بأن كل ما قدر قبل ذلك بمقدار شعيرة، ثم حبة، ثم خردلة، ثم ذرة، غير الإيمان الذي يعبر به عن التصديق والإقرار، بل هو ما يوجد في قلوب المؤمنين من ثمرة الإيمان، وهو على وجهين:

أحدهما: ازدياد اليقين وطمأنينة النفس، لأن تضافر الأدلة أقوى للمدلول عليه وأثبت لعدمه.

والثاني: أن يراد العمل، وأن الإيمان يزيد وينقص بالعمل، وينصر هذا الوجه قوله في حديث أبي سعيد: ((لم يعملوا خيراً قط)). اهـ (١).

والحاصل أن ظاهر الحديث مشكل، وأنه لا يمكن القول به إلا مع مراعاة الأدلة الأخرى.

الوجه الثاني: أن المخالف إن قال: بل هؤلاء الذين لم يعملوا خيرا قط، إلا الإقرار والتصديق وعمل القلب.

قيل له: من أين لك هذا، ولا وجود له في الحديث، لاسيما مع "التدرج" الذي تحتج به؟

فإن قال: جاء هذا من النصوص الأخرى التي تشترط للنجاة قول (لا إله إلا الله) بصدق ويقين وإخلاص.

قيل له: ونحن نثبت وجود عمل الجوارح لاسيما الصلاة.

الوجه الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: (لم يعملوا خيرا قط) ليس المراد منه نفي جميع العمل، بل جاء إطلاق هذه العبارة في النصوص مع إثبات العمل، وقد وقع هذا في حديث الشفاعة وفي غيره وهناك طرفاً من ذلك، مع كلام السلف:

١ - في رواية حذيفة رضي الله عنه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه لحديث الرؤية والشفاعة: ((ثم يقال ادعوا الصديقين فيشفعون، ثم يقال: ادعوا الأنبياء. قال: فيجيء النبي ومعه العصابة، والنبي معه الخمسة والستة، والنبي ليس معه أحد، ثم يقال: ادعوا الشهداء فيشفعون لمن أرادوا، قال: فإذا فعلت الشهداء ذلك قال: فيقول الله عز وجل: أنا أرحم الراحمين، ادخلوا جنتي من كان لا يشرك بي شيئاً، قال: فيدخلون الجنة. قال: ثم يقول الله عز وجل: انظروا في أهل النار هل تلقون من أحد عمل خيراً قط؟

قال: فيجدون في النار رجلاً، فيقولون له: هل عملت خيراً قط؟ فيقول: لا، غير أني كنت أسامح الناس في البيع.

فيقول الله عز وجل: اسمحوا لعبدي بسماحته إلى عبيدي. ثم يخرجون من النار رجلاً يقول له: هل عملت خيراً قط؟

فيقول: لا، غير أني أمرت ولدي إذا مت فأحرقوني في النار ثم اطحنوني حتى إذا كنت مثل الكحل فاذهبوا بي إلى البحر فاذروني في الريح، فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبداً.

فقال الله عز وجل له: لم فعلت ذلك؟ قال: من مخافتك. قال: فيقول الله عز وجل: انظر إلى ملك, أعظم ملك، فإن له مثله وعشرة أمثاله. قال: فيقول: أتسخر بي وأنت الملك)) (٢).


(١) ((فتح الباري)) للحافظ ابن حجر رحمه الله (١٣/ ٤٣٨).
(٢) رواه أحمد (١/ ٤) (١٥) وابن حبان (١٤/ ٣٩٣) (٦٤٧٦) وأبو يعلى في مسنده (١/ ٥٦) (٥٦) من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه, قال البزار ((البحر الزخار)) (١/ ١٤٩): إسناده مع ما فيه، إلا أنه قد رواه جماعة من جلة أهل العلم بالنقل واحتملوه وقال الألباني ((صحيح الترغيب)) (٣٦٤١): حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>