للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان من السلف من ينكر على من عدل عن لفظة الزيادة والنقصان لثبوتها كما قد روى ذلك عبدالرحمن بن مهدي نفسه رحمه الله قال: (أنا أقول الإيمان يتفاضل، وكان الأوزاعي يقول: ليس هذا زمان تعلم، هذا زمان تمسك) (١).

ثم وقفت على أثر عن الإمام أحمد رحمه الله قد يفهم منه سبب اختيار ابن المبارك للفظة (يتفاضل) فقد قال ابن هانئ في مسائله: (سمعت أبا عبدالله ابن أبي رزمة ما كان أبوك يقول عن عبدالله بن المبارك في الإيمان؟ قال: كان يقول: الإيمان يتفاضل.

قال أبو عبدالله: يا عجباه، إن قال لكم يزيد وينقص رجمتموه، وإن قال يتفاضل تركتموه، وهل شيء يتفاضل إلا وفيه الزيادة والنقصان) (٢).

وعلى كلٍّ فابن المبارك عدل عن ذلك، وصار يصرح بزيادة الإيمان، لكونها منصوصاً عليها في القرآن، قال رحمه الله: (لم أجد بدا من الإقرار بزيادة الإيمان إزاء كتاب الله).

ذكر ذلك لما قال له المستملي: يا أبا عبدالرحمن: إن ها هنا قوماً يقولون: الإيمان لا يزيد، فسكت عبدالله، حتى سأله ثلاثا. فأجابه، فقال: لا تعجبني هذه الكلمة منكم أن ها هنا قوما، ينبغي أن يكون أمركم جمعا، ثم ساق ابن المبارك بسنده قول عمر بن الخطاب: (لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجحهم) ثم قال: بلى إن الإيمان يزيد، بلى إن الإيمان يزيد ثلاثا، وقال: (لم أجد بدا من الإقرار بزيادة الإيمان إزاء كتاب الله) (٣).

(وقال له شيبان بن فروخ: ما تقول فيمن يزني ويشرب الخمر ونو هذا أمؤمن هو؟ قال ابن المبارك: لا أخرجه من الإيمان: فقال شيبان: على كبر السن صرت مرجئا؟ فقال له ابن المبارك: يا أبا عبدالله إن المرجئة لا تقبلني أنا أقول الإيمان يزيد والمرجئة لا تقول بذلك، والمرجئة تقول: حسناتنا متقبلة، وأنا لا أعلم تقبلت مني حسنة) (٤).

بل قد وجد في كلامه رحمه الله التصريح بنقصان الإيمان. كما روى ذلك النجاد عن علي بن الحسن بن شقيق قال سمعت عبدالله بن المبارك يقول: (الإيمان قول وعمل يزيد وينقص) (٥).

وروى إسحاق بن راهويه في مسنده محمد بن أعين قال: (قال ابن المبارك وذكر له الإيمان فقال: قوم يقولون إيمانا مثل جبريل وميكائيل. أما فيه زيادة أما فيه نقصان، هو مثله سواء، وجبريل ربما صار مثل الوضع من خوف الله تعالى. وذكر أشباه ذلك) (٦).

قلت: أي ذكر أشباه ذلك من أساليب الإنكار على المرجئة القائلين بعدم زيادة الإيمان ونقصانه، وأن أهله فيه سواء، وبهذا يعلم أن ابن المبارك رحمه الله كان يقول بزيادة الإيمان ونقصانه كغيره من أئمة أهل السنة والجماعة، رحم الله الجميع.

١٩ – وقال خالد بن الحارث: (الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص) (٧).

٢٠ - وقال جرير بن عبدالحميد: (الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص) (٨).


(١) رواه عبدالله في ((السنة)) (١/ ٣٣٣) (٦٨٨)، وابن بطة في ((الإبانة)) (٢/ ٨٤٨) (١١٣٧).
(٢) ((مسائل الإمام أحمد)) برواية ابن هانئ (٢/ ١٢٧).
(٣) رواه إسحاق بن راهويه في مسنده (٣/ ٦٧١).
(٤) رواه إسحاق بن راهويه في مسنده (٣/ ٦٧٠).
(٥) ((الرد على من يقول القرآن مخلوق)) للنجاد (٥٤).
(٦) ((مسند إسحاق)) (٣/ ٦٧٠).
(٧) رواه عبدالله في ((السنة)) (١/ ٣٣٦) (٦٩٩).
(٨) رواه أبو داود في مسائل الإمام أحمد (ص: ٢٧٣) وعبدالله في ((السنة)) (١/ ٣١٥) (٦٢٦) والخلال في السنة ق١١٠/ ١، ح١١٦٣) والآجري في ((الشريعة)) (ص: ١٢٦)، واللالكائي في ((شرح الاعتقاد)) (٥/ ٩٦١) (١٧٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>