للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه النصوص فيها ذكر جملة من الأعمال الإيمانية كالصلاة والزكاة، وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد، وتغيير المنكر باليد على حسب الاستطاعة، وإماطة الأذى عن الطريق فهذه كلها من الأعمال الإيمانية التي تكون بالجوارح، وما من شك في أن الناس متفاضلون في هذه الأعمال أداء لها ومحافظة عليها وقياماً بها، فهم ليسوا في ذلك على درجة واحدة، بل بينهم فيها تفاوت عظيم.

الوجه السابع:

إن الإيمان يتفاضل ويزيد وينقص من جهة استحضار الإنسان بقلبه لأمور الإيمان، وذكره لها، ودوامه وثباته عليها، بحيث لا يكون غافلاً عنها، فإن من كان كذلك أكمل إيماناً ممن صدق بالمأمور به وغفل عنه.

وذلك لأن الغفلة تضاد كمال العلم والتصديق والذكر، وأما دوام الاستحضار وعدم الغفلة فإنه يكمل العلم واليقين ويقوي الإيمان، فالعالم بالشيء في حالة غفلته عنه دون العالم بالشيء حال ذكره له، والعلم وإن كان في القلب فالغفلة تنافي تحققه.

فالغفلة وعدم استحضار الأوامر، لها أثر في نقص كمال الإيمان وضعفه ولهذا قال عمير بن حبيب الخطمي رضي الله عنه: (إذا ذكرنا الله وحمدناه وسبحناه فذلك زيادته، وإذا غفلنا ونسينا وضيعنا فذلك نقصانه) (١). وكان معاذ بن جبل يقول لأصحابه (اجلسوا بنا نؤمن ساعة) (٢). وهذا يدلنا على أن الحذر من الغفلة، واستحضار الإيمان سبب لزيادة الإيمان، وعدم ذلك سبب لنقصه. ولهذا فإن الله الكريم نبه في مواضع كثيرة من كتابه على أهمية الذكرى وعظم شأنها، وخطر الغفلة وشدة ضررها، ومن ذلك قوله: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات: ٥٥]

وقوله: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق: ٣٧] ومعنى شهيد أي: حاضر القلب وليس بغافل.

وقوله: سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى [الأعلى: ١١].

وقوله: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف: ٢٨].

وقوله: وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ [الأعراف: ٢٠٥] وغيرها من الآيات.

الوجه الثامن:

إن الإنسان قد يكون مكذباً ومنكراً لأمور لا يعلم أنها من الإيمان، ولو كان عالماً بأنها منه لم يكذب ولم ينكر، فإذا تبين له بعد أنها من الإيمان، وظهر له ذلك بوجه من الوجوه، فإنه يصدق بما كان مكذباً به، ويعرف ما كان منكراً له، وهذا تصديق جديد، وإيمان جديد، ازداد به إيمانه، وهو لم يكن قبل ذلك كافراً بل جاهلاً.


(١) رواه عبدالله بن أحمد في ((السنة)) (١/ ٣٣٠) (٦٨٠)، والآجري في ((الشريعة) (ص: ١٠٨)، والخطابي في ((الغنية)) (ص: ٤٥)، وأبو أحمد الحاكم في ((شعار أصحاب الحديث)) (٨).
(٢) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث رقم (٧)، ووصله ابن أبي شيبة في المصنف (١١/ ٢٥، ٢٦) وفي ((الإيمان)) (١٠٥)، وأبو نعيم في ((الحلية)) (١/ ٢٣٥)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (١/ ٧٣) (٤٤)، وعبدالله في ((السنة)) (١/ ٣٦٨) (٧٩٦)، (١/ ٣٧٨) (٨٢٣)، وابن بطة في ((الإبانة)) (٢/ ٨٤٧) (١١٣٥) واللالكائي في ((شرح الاعتقاد)) (٥/ ٩٤٣) (١٧٠٦، ١٧٠٧). قال ابن حجر في ((تغليق التعليق)) (٢/ ٢١): موقوف صحيح. وصحح العيني إسناده في ((عمدة القاري)) (١/ ١٩٠)، وقال الألباني في ((الإيمان لابن أبي شيبة)) (١٠٥) إسناده صحيح على شرط الشيخين.

<<  <  ج: ص:  >  >>