للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن القيم رحمه الله: (وبالجملة فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر، فإنه جامع لجميع منازل السائرين وأحوال العاملين ومقامات العارفين، وهو الذي يورث المحبة والشوق والخوف والرجاء والإنابة والتوكل والرضا والتفويض والشكر والصبر، وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله، وكذلك يزجر عن جميع الصفات والأفعال المذمومة التي بها فساد القلب وهلاكه.

فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها، فإذا قرأه يتفكر حتى مر بآية وهو محتاج إليها في شفاء قلبه كررها ولو مائة مرة، ولو ليلة، فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن .. ) (١).

وقال محمد رشيد رضا: (واعلم أن قوة الدين وكماله الإيمان واليقين لا يحصلان إلا بكثرة قراءة القرآن واستماعه مع التدبر بنية الاهتداء به والعمل بأمره ونهيه. فالإيمان الإذعاني الصحيح يزداد ويقوى وينمي وتترتب عليه آثاره من الأعمال الصالحة وترك المعاصي والفساد بقدر تدبر القرآن، وينقص ويضعف على هذه النسبة من ترك تدبره وما آمن أكثر العرب إلا بسماعه وفهمه، ولا فتحوا الأقطار ومصروا الأمصار، واتسع عمرانهم، وعظم سلطانهم، إلا بتأثير هدايته، وما كان الجاحدون المعاندون من زعماء مكة يجاهدون النبي ويصدونه عن تبليغ دعوة ربه إلا بمنعه من قراءة القرآن على الناس وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت: ٢٦].

وما ضعف الإسلام منذ القرون الوسطى حتى زال أكثر ملكه إلا بهجر تدبر القرآن وتلاوته والعمل به) (٢).

فالقرآن الكريم هو من أعظم مقويات الإيمان، وأنفع دواعي زيادته، وهو يزيد إيمان العبد من وجوه متعددة.

قال ابن سعدي: (ويقويه من وجوه كثيرة، فالمؤمن بمجرد ما يتلو آيات الله، ويعرف ما ركب عليه من الأخبار الصادقة والأحكام الحسنة يحصل له من أمور الإيمان خير كبير، فكيف إذا أحسن تأمله، وفهم مقاصده وأسراره) (٣).

لكن ينبغي أن يعلم أن زيادة الإيمان التي تكون بقراءة القرآن لا تكون إلا لمن اعتنى بفهم القرآن وتطبيقه والعمل به، لا أن يقرأه قراءة مجردة دون فهم أو تدبر وإلا فكم قارئ للقرآن حجيجه وخصيمه يوم القيامة.

فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع آخرين) (٤).

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( .. والقرآن حجة لك أو عليك) (٥).

فهو حجة لك ويزيد في إيمانك إن عملت به، وحجة عليك وينقص إيمانك إن فرطت به وأهملت حدوده.

قال قتادة: (لم يجالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان) (٦).


(١) ((مفتاح دار السعادة)) (ص: ٢٠٤).
(٢) ((مختصر تفسير المنار)) (٣/ ١٧٠).
(٣) ((التوضيح والبيان لشجرة الإيمان)) (ص: ٢٧).
(٤) رواه مسلم (١٩٣٤). من حديث عمر رضي الله عنه.
(٥) رواه مسلم (٥٥٦). من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.
(٦) رواه ابن المبارك في ((الزهد)) (ص: ٢٧٢)، والآجري في ((أخلاق حملة القرآن)) (ص: ٧٣)، والمروزي في ((قيام الليل)) (ص: ٧٧)، وذكره البغوي في تفسيره (٣/ ١٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>