للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا عرف العبد ربه المعرفة الحقيقة المطلوبة السالمة من طرق أهل الزيغ في معرفة الله والتي تبنى على تحريف الأسماء والصفات أو تعطيلها أو تكييفها أو تشبيهها، فمن سلم من هذه المناهج الكلامية الباطلة، التي هي في الحقيقة أعظم ما يحول بين العبد وبين معرفة ربه وأعظم ما ينقص الإيمان ويضعفه، وعرف ربه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى التي تعرف بها إلى خلقه والتي وردت في الكتاب والسنة وفهمها على منهج السلف الصالح، فقد وفق لأعظم أسباب زيادة الإيمان.

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم الخبر أن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها كانت سبباً في دخوله الجنة.

ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدة، من أحصاها دخل الجنة)) (١).

(وليس المراد بالإحصاء عدّها فقط، لأنه قد يعدها الفاجر، وإنما المراد العمل بها) (٢).

فلا بد من فهم الأسماء والصفات ومعرفة ما تدل عليه من معاني حتى يتسنى الاستفادة التامة بها.

قال أبو عمر الطلمنكي: (من تمام المعرفة بأسماء الله تعالى وصفاته التي يستحق بها الداعي والحافظ ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، المعرفة بالأسماء والصفات وما تتضمن من الفوائد وتدل عليه من الحقائق، ومن لم يعلم ذلك لم يكن عالماً لمعاني الأسماء ولا مستفيداً بذكرها ما تدل عليه من المعاني) (٣).

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله لإحصائها ثلاث مراتب:

المرتبة الأولى: إحصاء ألفاظها وعددها.

المرتبة الثانية: فهم معانيها ومدلولاتها.

المرتبة الثالثة: دعاء الله بها، وهذا شامل لدعاء العبادة ودعاء المسألة (٤).

وقال ابن سعدي مبيناً معنى (أحصاها) الواردة في حديث أبي هريرة المتقدم: (أي: من حفظها وفهم معانيها واعتقدها وتعبّد الله بها دخل الجنة، والجنة لا يدخلها إلا المؤمنون فعلم أن ذلك أعظم ينبوع ومادة لحصول الإيمان وقوته وثباته، ومعرفة الأسماء الحسنى هي أصل الإيمان والإيمان يرجع إليها) (٥). فمن عرف الله هذه المعرفة كان من أقوى الناس إيماناً وأشدهم طاعةً وتعبد لله، وأعظمهم خوفاً ومراقبة له سبحانه.

قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [فاطر: ٢٨].

قال ابن جرير الطبري في تفسيره لهذه الآية: (يقول تعالى ذكره: إنما يخاف الله فيتقي عقابه بطاعته العلماء بقدرته على ما يشاء من شيء وأنه يفعل ما يريد، لأن من علم ذلك أيقن بعقابه على معصيته فخافه ورهبه خشية منه أن يعاقبه) (٦).

وقال ابن كثير: (أي: إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به، لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى كلما كانت المعرفة به أتم والعلم به أكمل كانت الخشية له أعظم وأكثر) (٧).

وقد جمع هذا المعنى أحد السلف في عبارة مختصرة، فقال: (من كان بالله أعرف كان له أخوف) (٨).


(١) رواه البخاري (٢٥٨٥)، ومسلم (٦٩٨٦).
(٢) ((فتح الباري)) (١١/ ٢٢٦) وهو من كلام الأصيلي.
(٣) ((فتح الباري)) (١١/ ٢٢٦).
(٤) ((بدائع الفوائد)) (١/ ١٦٤).
(٥) ((التوضيح والبيان)) (ص: ٢٦).
(٦) ((تفسير الطبري)) (١٢/ ١٣٢).
(٧) ((تفسير ابن كثير)) (٣/ ٥٥٣).
(٨) ((الرسالة القشيرية)) لأبي القاسم القشيري (ص: ١٤١) والقائل هو أبو عبدالله أحمد بن عاصم الأنطاكي، انظر ترجمته في ((السير)) (١١/ ٤٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>