للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي الحديث أن الجهاد والصدقة شرط في دخول الجنة مع حصول التوحيد والصلاة والصيام والحج ونظير هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم)) ففهم عمر وجماعة من الصحابة أن من أتى الشهادتين امتنع من عقوبة الدنيا بمجرد ذلك, فتوقفوا عن قتال مانعي الزكاة, وفهم الصديق رضي الله عنه أنه لا يمتنع قتاله إلا بأداء حقوقها لقوله صلى الله عليه وسلم: ((فإذا فعلوا ذلك منعوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)) وقال: الزكاة حق المال وهذا الذي فهمه الصديق رضي الله عنه قد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحا غير واحد من الصحابة, منهم ابن عمر وأنس وغيرهما رضي الله عنهم, وأنه قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة)) (١) ودل على ذلك قوله تعالى: فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ [التوبة: ٥] الآية ولا تثبت إلا بأداء الفرائض مع التوحيد, ولما قرر أبو بكر رضي الله عنه هذا للصحابة رجعوا إلى قوله ورأوه صوابا, فإذا علم أن عقوبة الدنيا لا ترتفع عمن أدى الشهادتين مطلقا, بل يعاقب بإخلاله بحق من حقوق الإسلام, فكذلك عقوبة الآخرة وقد ذهب طائفة إلى أن هذه الأحاديث المذكورة أولا وما في معناها كانت قبل نزول الفرائض والحدود, منهم الزهري والثوري وغيرهما, وهذا بعيد جدا, فإن كثيرا منها كانت بالمدينة بعد نزول الفرائض والحدود, وفي بعضها أنه كان في غزوة تبوك وهي في آخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم, وهؤلاء منهم من يقول: هذه الأحاديث منسوخة, ومنهم من يقول هي محكمة ولكن ضم إليها شرائط, ويلتفت هذا إلى أن زيادة النص هل هي نسخ أم لا؟ والخلاف في ذلك بين الأصوليين مشهور, وقد صرح الثوري بأنها منسوخة, وأنه نسختها الفرائض والحدود وقد يكون مرادهم بالنسخ البيان والإيضاح, فإن السلف كانوا يطلقون النسخ على مثل ذلك كثيرا ويكون مرادهم أن آيات الفرائض والحدود تبين توقف دخول أهل الجنة والنجاة من النار على فعل الفرائض واجتناب المحارم فصارت النصوص منسوخة أي مبينة مفسرة, ونصوص الحدود والفرائض ناسخة أي مفسرة لمعنى تلك النصوص موضحة لها وقالت طائفة تلك النصوص المطلقة قد جاءت مقيدة في أحاديث أخرى, ففي بعضها: ((من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة)) (٢) وفي بعضها ((مستيقنا)) (٣)، ... وفي بعضها: ((يقولها من قلبه)) (٤)، ...


(١) رواه البخاري (٢٥)، ومسلم (٢٢).
(٢) رواه أحمد (٥/ ٢٣٦) (٢٢١١٣)، وابن حبان (١/ ٤٢٩) (٢٠٠). من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه. وصححه الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (٢٣٥٥) وقال: صحيح على شرط الشيخين.
(٣) رواه مسلم (٣١).
(٤) رواه أحمد (١/ ٦٣) (٤٤٧). من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه. ورواه ابن حبان (١/ ٤٣٤)، والحاكم (١/ ١٤٣) من حديث عثمان بن عفان عن عمر رضي الله عنهما. وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وقال البوصيري في ((إتحاف الخيرة)) (٦/ ١٣٨): هذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١/ ١٥): رجاله ثقات. وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (١/ ٢٢١): إسناده صحيح. وقال الألباني في ((صحيح الترغيب والترهيب)) (١٥٢٨): صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>