للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن (الإيمان والإسلام) يجتمع فيهما الدين كله وقد كثر كلام الناس في (حقيقة الإيمان والإسلام) ونزاعهم واضطرابهم; وقد صنفت في ذلك مجلدات؛ والنزاع في ذلك من حين خرجت الخوارج بين عامة الطوائف. ونحن نذكر ما يستفاد من كلام النبي صلى الله عليه وسلم مع ما يستفاد من كلام الله تعالى فيصل المؤمن إلى ذلك من نفس كلام الله ورسوله فإن هذا هو المقصود. فلا نذكر اختلاف الناس ابتداء؛ بل نذكر من ذلك - في ضمن بيان ما يستفاد من كلام الله ورسوله - ما يبين أن رد موارد النزاع إلى الله وإلى الرسول خير وأحسن تأويلا وأحسن عاقبة في الدنيا والآخرة. فنقول: قد فرق النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام بين مسمى (الإسلام) ومسمى (الإيمان) ومسمى (الإحسان). فقال: ((الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. وقال: الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره)). و (الفرق) مذكور في حديث عمر الذي انفرد به مسلم (١) وفي حديث أبي هريرة الذي اتفق البخاري ومسلم عليه (٢) وكلاهما فيه: أن جبرائيل جاءه في صورة إنسان أعرابي فسأله. وفي حديث عمر: أنه جاءه في صورة أعرابي. وكذلك فسر (الإسلام) في حديث ابن عمر المشهور قال: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان)) (٣). وحديث جبرائيل يبين أن (الإسلام المبني على خمس) هو الإسلام نفسه ليس المبني غير المبني عليه؛ بل جعل النبي صلى الله عليه وسلم الدين ثلاث درجات: أعلاها (الإحسان) وأوسطها (الإيمان) ويليه (الإسلام) فكل محسن مؤمن وكل مؤمن مسلم وليس كل مؤمن محسنا ولا كل مسلم مؤمنا كما سيأتي بيانه - إن شاء الله - في سائر الأحاديث كالحديث الذي رواه حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن رجل من أهل الشام عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((أسلم تسلم. قال: وما الإسلام؟ قال: أن تسلم قلبك لله وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك. قال: فأي الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان. قال: وما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالبعث بعد الموت. قال: فأي الإيمان أفضل؟ قال: الهجرة. قال: وما الهجرة؟ قال: أن تهجر السوء. قال: فأي الهجرة أفضل؟ قال: الجهاد. قال: وما الجهاد؟ قال: أن تجاهد أو تقاتل الكفار إذا لقيتهم ولا تغلل ولا تجبن. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عملان هما أفضل الأعمال إلا من عمل بمثلهما - قالها ثلاثا - حجة مبرورة أو عمرة)) (٤) ولهذا يذكر هذه المراتب الأربعة فيقول: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم والمهاجر من هجر السيئات والمجاهد من جاهد نفسه لله)) (٥). وقد ثبت عنه من غير وجه أنه قال: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم)) (٦).


(١) رواه مسلم (٨).
(٢) رواه البخاري (٥٠)، ومسلم (٩، ١٠).
(٣) رواه البخاري (٨)، ومسلم (١٦).
(٤) رواه أحمد (٤/ ١١٤) (١٧٠٦٨)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (١/ ٥٥). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٣/ ٤٧٦): رواه أحمد والطبراني ورجاله رجال الصحيح، وقال الألباني في ((الإيمان)) لابن تيمية (ص٥): صحيح بشواهده.
(٥) رواه عبد بن حميد في مسنده (٣٣٦). وقال الألباني في ((الإيمان)) لابن تيمية (ص٦): صحيح. والحديث روى بعضه البخاري (١٠)، ومسلم (٤٠). من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
(٦) رواه الترمذي (٢٦٢٧)، والنسائي (٨/ ١٠٤)، وأحمد (٢/ ٣٧٩) (٨٩١٨) .. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو ما قاله الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).

<<  <  ج: ص:  >  >>