للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالإحسان يدخل فيه الإيمان والإيمان يدخل فيه الإسلام والمحسنون أخص من المؤمنين والمؤمنون أخص من المسلمين؛ وهذا كما يقال: في (الرسالة والنبوة) فالنبوة داخلة في الرسالة والرسالة أعم من جهة نفسها وأخص من جهة أهلها؛ فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا؛ فالأنبياء أعم والنبوة نفسها جزء من الرسالة فالرسالة تتناول النبوة وغيرها بخلاف النبوة؛ فإنها لا تتناول الرسالة. والنبي صلى الله عليه وسلم فسر (الإسلام والإيمان) بما أجاب به؛ كما يجاب عن المحدود بالحد إذا قيل ما كذا؟ قيل: كذا وكذا مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية - بتصرف- ٧/ ٥

كذلك أيضا مما يتعلق بالإيمان مسألة الإسلام ... والخلاف في مسماه، ... على ثلاثة أقوال:

طائفة قالت: الإسلام هو الكلمة، أي الشهادتان، وهذا مروي عن الزهري (١)، وبعض أهل السنة قالوا: الإسلام هو الكلمة، والإيمان هو العمل، المذهب الثاني: طائفة قالوا الإسلام والإيمان مترادفان، وهذا مروي عن بعض أهل السنة، ويتزعمهم البخاري، وهو أيضا ذهب إليه الخوارج والمعتزلة.

المذهب الثالث: أن الإسلام هو العمل والإيمان هو التصديق والإقرار، جعلوا الإسلام هو الأعمال الظاهرة والإيمان الأعمال الباطنة، واستدلوا بحديث جبريل (٢)، والصواب في المسألة أن الإيمان والإسلام تختلف دلالتهما بحسب الإفراد والاقتران، فإذا أطلق الإسلام وحده دخل فيه الأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة، وإذا أطلق الإيمان وحده دخل فيه الأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة، وإذا اجتمعتا، فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، وفسر الإيمان بالأعمال الباطنة كما في حديث جبريل، فإن جبريل لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام فسره بالأعمال الظاهرة، ولما سأله عن الإيمان فسره بالأعمال الباطنة.

هذا هو الصواب أن الإسلام إذا أطلق وحده دخل فيه الإيمان، والإيمان إذا أطلق وحده دخل فيه الإسلام، وإذا اجتمعا فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة والإيمان بالأعمال الباطنة، أما الأدلة والمناقشات يأتي الكلام عليها إن شاء الله.

قلنا إن الناس في مسمى الإسلام لهم أقوال: القول الأول: من يقول: إن الإسلام هو الكلمة والإيمان هو العمل، يقول: مسمى الإسلام هو الكلمة، يعني الشهادتين، وهذا مروي عن الزهري وبعض أهل السنة، قالوا الإسلام الكلمة، والإيمان العمل، واحتج هؤلاء بقول الله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر: ٣٢] قالوا فالمسلم الذي لم يقم بواجب الإيمان هو الظالم لنفسه والمقتصد، هو المؤمن المطلق الذي أدى الواجب وترك المحرم.


(١) رواه أبو داود (٤٦٨٤)، وابن حبان (١/ ٣٨٠)، والحميدي في ((المسند)) (١/ ٣٧)، وعبد بن حميد في ((المسند)) (١/ ٧٧). قال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح الإسناد مقطوع.
(٢) رواه البخاري (٥٠)، ومسلم (٩، ١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>