للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: (والمراد من هذا الحديث أن الإسلام مبني على هذه الخمس كالأركان والدعائم لبنيانه .. والمقصود تمثيل الإسلام بنيانه، ودعائم البنيان هذه الخمس، فلا يثبت البنيان بدونها، وبقية خصال الإسلام كتتمة البنيان، فإذا فقد منها شيء، نقص البنيان وهو قائم لا ينقض بنقص ذلك، بخلاف نقض هذه الدعائم الخمس؛ فإن الإسلام يزول بفقدها جميعها بغير إشكال، وكذلك يزول بفقد الشهادتين، والمراد بالشهادتين الإيمان بالله ورسوله. وقد جاء في رواية البخاري تعليقا: ((بني الإسلام على خمس: إيمان بالله ورسوله)) (١) وذكر بقية الحديث. وفي رواية لمسلم: ((على خمس: على أن يوحد الله)) وفي رواية له: ((على أن يعبد الله ويكفر بما دونه)) (٢).

وبهذا يعلم أن الإيمان بالله ورسوله داخل في ضمن الإسلام.

وأما إقام الصلاة، فقد وردت أحاديث متعددة تدل على أن من تركها فقد خرج من الإسلام، ففي صحيح مسلم عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) (٣).

وذهب إلى هذا القول جماعة من السلف والخلف وذهبت طائفة منهم إلى أن من ترك شيئا من أركان الإسلام الخمسة عمدا أنه كافر بذلك) (٤).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: ((الإسلام هو الخمس)) (٥) يريد أن هذا كله واجب داخل في الإسلام، فليس للإنسان أن يكتفي بالإقرار بالشهادتين، وكذلك الإيمان يجب أن يكون على هذا الوجه المفصل، لا يكتفي فيه بالإيمان المجمل، ولهذا وصف الإسلام بهذا.

وقد اتفق المسلمون على أنه من لم يأت بالشهادتين فهو كافر، وأما الأعمال الأربعة فاختلفوا في تكفير تاركها، ونحن إذا قلنا: أهل السنة متفقون على أنه لا يكفر بالذنب، فإنما نريد به المعاصي كالزنا والشرب. وأما هذه المباني ففي تكفير تاركها نزاع مشهور. وعن أحمد في ذلك نزاع، وإحدى الروايات عنه أنه يكفر من ترك واحدة منها وعنه رواية ثانية: لا يكفر إلا بترك الصلاة والزكاة فقط. ورواية ثالثة: لا يكفر إلا بترك الصلاة والزكاة إذا قاتل الإمام عليها. ورابعة: لا يكفر إلا بترك الصلاة. وخامسة: لا يكفر بترك شيء منهن. وهذه أقوال معروفة للسلف.

ومما يوضح ذلك أن جبريل لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان كان في آخر الأمر بعد فرض الحج، والحج فرض سنة تسع أو عشر (٦).

سبب اختصاص هذه الأركان الخمسة بكونها أركان الإسلام دون غيرها من الواجبات:

إذا كان ما أوجبه الله من الأعمال الظاهرة أكثر من هذه الخمس؛ فلما خصت هذه الخمس بكونها هي الإسلام، وعليها بني، دون غيرها من الواجبات؟

والجواب: لأن هذه الأركان الخمسة هي أظهر شعائر الإسلام، وبقيام العبد بها يتم استسلامه، ولهذا كانت واجبة على الأعيان دون سواها.

قال الإمام ابن الصلاح رحمه الله: (وحكم الإسلام في الظاهر يثبت بالشهادتين، وإنما أضاف إليهما الصلاة والزكاة والحج والصوم، لكونها أظهر شعائر الإسلام وأعظمها، وبقيامه بها يتم استسلامه، وتركه لها يشعر بانحلال قيد انقياده أو اختلاله) (٧).

وقد بسط شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الجواب على هذا السؤال حيث عقد له فصلا في كتابه الإيمان. قال فيه:


(١) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (٧٥٣٣). قال ابن حجر في ((تغليق التعليق)) (٥/ ٣٧٠): وأما حديث أبي هريرة في قصة بلال فأسنده المؤلف في كتاب صلاة الليل من طريق أبي زرعة عنه.
(٢) رواه مسلم (١٦). من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(٣) رواه مسلم (٨٢).
(٤) ((جامع العلوم والحكم)) (١/ ١٤٥ - ١٤٧).
(٥) لا أصل له.
(٦) ((الإيمان)) (٢٨٦)، و ((شرح العمدة)) (ص: ٨٦ - ٨٧).
(٧) ((صيانة صحيح مسلم)) (ص: ١٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>