للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(قد أجاب بعض الناس أن هذه أظهر شعائر الإسلام وأعظمها. وبقيام العبد بها يتم استسلامه، وتركه لها يشعر بانحلال قيد القيادة.

والتحقيق أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الدين الذي هو استسلام العبد لربه مطلقا، الذي يجب لله عبادة محضة على الأعيان، فيجب على كل من كان قادرا عليه أن يعبد الله بها مخلصا له الدين، وهذه هي الخمس. وما سوى ذلك فإنما يجب بأسباب المصالح، فلا يعم وجوبها جميع الناس، بل إما:

١) أن يكون فرضا على الكفاية كالجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وما يتبع ذلك من إمارة، وحكم وفتيا، وإقراء وتحديث، وغير ذلك.

٢) وإما أن يجب بسبب حق للآدميين. يختص به من وجب له وعليه، وقد يسقط بإسقاطه، وإذا حصلت المصلحة، أو الإبراء، إما بإبرائه، وإما بحصول المصلحة. فحقوق العباد مثل قضاء الديون، ورد المغصوب، والعواري، والودائع، والإنصاف من المظالم من الدماء والأموال والأعراض، إنما هي حقوق الآدميين، وإذا أبرئوا منها سقطت، وتجب على شخص دون شخص، في حال دون حال. لم تجب عبادة محضة لله على كل عبد قادر، ولهذا يشترك فيها المسلمون واليهود والنصارى، بخلاف الخمسة فإنها من خصائص المسلمين.

وكذلك ما يجب من صلة الأرحام، وحقوق الزوجة، والأولاد، والجيران، والشركاء، والفقراء، وما يجب من أداء الشهادة، والفتيا، والإمارة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد كل ذلك يجب بأسباب عارضة على بعض الناس دون بعض لجلب منافع ودفع مضار، لو حصلت بدون فعل الإنسان لم تجب. فما كان مشتركا فهو واجب على الكفاية، وما كان مختصا فإنما يجب على زيد دون عمرو. لا يشترك الناس في وجوب عمل بعينه على كل أحد قادر سوى الخمس. فإن زوجة زيد وأقاربه ليست زوجة عمرو وأقاربه. فليس الواجب على هذا، مثل الواجب على هذا، بخلاف صوم رمضان، وحج البيت، والصلوات الخمس، والزكاة، فإن الزكاة وإن كانت حقا ماليا فإنها واجبة لله. ولهذا وجب فيها النية. ولم يجز أن يفعلها الغير عنه بلا إذنه. ولم تطلب من الكفار. وحقوق العباد لا يشترط لها النية، ولو أداها غيره عنه بغير إذنه برئت ذمته. ويطالب بها الكفار) (١). أعمال القلوب حقيقتها وأحكامها عند أهل السنة والجماعة وعند مخالفيهم لسهل بن رفاع العتيبي-١/ ٥٣


(١) ((الإيمان)) (٢٩٧) ((شرح العقيدة الطحاوية)) (٣٦٣) ذكره مختصرا.

<<  <  ج: ص:  >  >>