للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - ومن الأدلة على انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر الأحاديث الكثيرة في ذكر الكبائر من مثل حديث أنس رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر أو سئل عن الكبائر فقال: ((الشرك بالله وقتل النفس، وعقوق الوالدين .. الحديث)) (١) (فخص الكبائر ببعض الذنوب، ولو كانت الذنوب كلها كبائر لم يسغ ذلك) (٢)

فالنصوص السابقة كما ترى صريحة في انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر ومع ذلك فقد نقل عن بعض الأشاعرة إنكارهم تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر، وقالوا: إن سائر المعاصي كبائر، منهم أبو إسحاق الإسفرائيني، والباقلاني، وإمام الحرمين وابن القشيري والتقي السبكي، بل حكاه ابن فورك عن الأشاعرة واختاره في (تفسيره) (٣)، ونسبه ابن بطال إلى الأشعرية، وحكاه القاضي عياض عن المحققين (٤)

ولقد لخص الإمام ابن بطال أدلتهم تلخيصاً جيداً فقال: انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر هو قول عامة الفقهاء، وخالفهم من الأشعرية أبو بكر بن الطيب وأصحابه فقالوا: المعاصي كلها كبائر، وإنما يقال لبعضها صغيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها، كما يقال القبلة المحرمة صغيرة بإضافتها إلى الزنا وكلها كبائر.

قالوا: ولا ذنب عندنا يغفر واجباً باجتناب ذنب آخر بل كل ذلك كبيرة، ومرتكبه في المشيئة، غير الكفر لقوله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [النساء: ٤٨] , وأجابوا عن الآية التي احتج أهل القول الأول بها وهي قوله تعالى: إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا [النساء: ٣١]، أن المراد الشرك وقد قال الفراء: من قرأ كبائر فالمراد بها كبير، وكبير الإثم هو الشرك، وقد يأتي لفظ الجمع والمراد به الواحد كقوله تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: ١٠٥] ولم يرسل إليهم غير نوح، قالوا: وجواز العقاب على الصغيرة لجوازه على الكبيرة (٥) واستدلوا أيضاً بقول ابن عباس: (كل ما نهى الله عنه كبيرة) (٦) وأجاب الجمهور عن هذه الاستدلالات بما يلي:

١ - قال ابن أبي العز الحنفي: (ومن قال: إنها سميت كبائر بالنسبة لما دونها، أو كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة يقتضي أن الذنوب في نفسها لا تنقسم إلى صغائر وكبائر، وهذا فاسد، لأنه خلاف النصوص الدالة على تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر) (٧). فيكفي في بيان بطلان هذا القول مخالفته للنصوص الصريحة ...

٢ - أما قولهم: لا ذنب عندنا يغفر واجباً باجتناب ذنب آخر بل كل ذلك كبير، غير الشرك، وتأويلهم قوله تعالى: إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا [النساء: ٣١] أن المراد الشرك لقراءة (كبير) فيقال لهم: وماذا عن قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما اجتنبت الكبائر)) (٨)، ((ما لم تغش الكبائر)) (٩).


(١) رواه البخاري (٥٩٧٧)، ومسلم (٨٨). من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(٢) ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) (ص٥).
(٣) ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) (ص: ٥).
(٤) انظر: ((فتح الباري)) (١٠/ ٤٠٩)، و ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (٢/ ٨٥).
(٥) نقلاً عن ((فتح الباري)) (١٠/ ٤٠٩)، وانظر: ((تفسير القرطبي)) (٥/ ١٥٩).
(٦) رواه الطبري في ((تفسيره)) (٨/ ٢١٤)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) ١/ ٢٧٣، قال ابن حجر في ((فتح الباري)) (١٠/ ٤١٠) أخرجه إسماعيل القاضي والطبري بسند صحيح على شرط الشيخين إلى ابن عباس.
(٧) ((شرح الطحاوية)) (ص٤١٩)، وانظر: ((مجموع الفتاوى)) (١١/ ٦٥٧).
(٨) رواه مسلم (٢٣٣).
(٩) رواه مسلم (٢٣٣) , من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>