للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ - وذهب بعض العلماء ومنهم الإمام الطبري إلى تعريفها بالعدد من غير ضبطها بحد قال رحمه الله: (وأولى ما قيل في تأويل (الكبائر) بالصحة، ما صح به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دون ما قاله غيره) .. فالكبائر إذاً: الشرك به، وعقوق الوالدين، وقتل النفس ... ) (١)

ومقصود الإمام الطبري حصر الكبائر بما نص عليه الصلاة والسلام بأنه كبيرة دون غيره مما عليه حد أو وعيد ولم ينص على أنه كبيرة، ولازم هذا القول إخراج بعض الذنوب كالسرقة والرشوة مثلاً من أن تكون من الكبائر لعدم ورود نص يصرح بأنها من الكبائر، على الرغم من أن مفسدة هذه أكبر من بعض المنصوص عليها.

٦ - ومن أشهر التعريفات ما نقل عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن البصري وغيرهم: أن الكبائر كل ذنب ختمه الله تعالى بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب. وقال ابن الصلاح: (لها أمارات منها: إيجاب الحد، ومنها الإيعاد عليها بالعذاب بالنار ونحوها في الكتاب أو السنة، ومنها وصف فاعلها بالفسق نصا ومنها اللعن) (٢).

وقال الماوردي من الشافعية: (الكبيرة ما وجبت فيه الحدود أو توجه إليها الوعيد) (٣) وورد مثل ذلك عن الإمام أحمد فيما نقله القاضي أبو يعلي (٤) ورجحه القرطبي (٥) وابن تيمية والذهبي (٦) وغيرهم.

ولعل هذا التعريف أشمل التعاريف وأقربها للصواب لعدة اعتبارات ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية من أهمها:

أنه يشمل كل ما ثبت في النصوص أنه كبيرة كالشرك، والقتل، والزنا، والسحر، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، وغير ذلك من الكبائر التي فيها عقوبات مقدرة، ويشمل أيضاً ما ورد فيه الوعيد كالفرار من الزحف وأكل مال اليتيم وأكل الربا وعقوق الوالدين واليمين الغموس وشهادة الزور، ويشمل كل ذنب توعد صاحبه بأنه لا يدخل الجنة، وما قيل فيه من فعله فليس منا، وما ورد من نفي الإيمان عن من ارتكبه كقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن .. )) (٧) (٨) فكل من نفي الله عنه الإيمان والجنة أو كونه من المؤمنين فهو من أهل الكبائر، لأن هذا النفي لا يكون لترك مستحب، ولا لفعل صغيرة، بل لفعل كبيرة.

أنه مأثور عن السلف من الصحابة والتابعين بخلاف غيره.

أن هذا الضابط يمكن الفرق به بين الصغائر والكبائر بخلاف غيره.


(١) انظر: ((تفسير الطبري)) (٨/ ٢٥٣)، وانظر تعريفات تشبه ما قاله الطبري معتمدة على بعض النصوص فمنهم من عرف الكبائر بأنها سبع أو تسع أو أربع ويورد النصوص المؤيدة لقوله، انظر: (٨/ ٢٣٥–٢٥٣).
(٢) نقلاً عن ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (٢/ ٨٥).
(٣) نقلاً عن ((فتح الباري)) (١٠/ ٤١٠).
(٤) نقلاً عن ((فتح الباري)) (١٠/ ٤١٠).
(٥) انظر: ((فتح الباري)) (١٠/ ٤١١).
(٦) نقلاً عن ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (٢/ ٨٥).
(٧) رواه البخاري (٢٤٧٥)، ومسلم (٧٥). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٨) انظر: ((مجموع الفتاوى)) لشيخ الإسلام ابن تيمية (١١/ ٦٥١ - ٦٥٥) باختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>