للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال النووي رحمه الله: وأما قوله صلى الله عليه وإن زنى وإن سرق فهو حجة لمذهب أهل السنة أن أصحاب الكبائر لا يقطع لهم بالنار، وأنهم إن دخلوها أخرجوا منها وختم لهم بالخلود بالجنة. (١)

٢ - حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال: ((تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئاً من ذلك فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب شيئاً من ذلك فستره الله عليه، فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه)) (٢).

قال النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: ((ومن أصاب شيئاً من ذلك)) إلى آخره المراد به ما سوى الشرك وإلا فالشرك لا يغفر له. (٣) ثم ذكر من فوائد الحديث: الدلالة لمذهب أهل الحق أن المعاصي غير الكفر لا يقطع لصاحبها بالنار إذا مات ولم يتب منها، بل هو بمشيئة الله تعالى إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه. (٤)

وقال المروزي تعليقاً على هذا الحديث: (ففي هذا الحديث دلالتان على أن السارق، والزاني ومن ذكر في هذا الحديث غير خارجين من الإيمان بأسره إحداهما: قوله فمن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا، فهو كفارة له، والحدود لا تكون كفارات إلا للمؤمنين، ألا ترى قوله: ((من ستر الله عليه، فأمره إلى الله إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه)) فإذا غفر له أدخله الجنة، ولا يدخل الجنة من البالغين المكلفين إلا مؤمن، وقوله (٥): صلى الله عليه وسلم: ((إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه)) هو نظير قول الله تبارك وتعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:٤٨] وأن يغفر مادون ذلك الشرك لمن يشاء ممن مات وهو غير تائب، ولا جائز أن يغفر له ويدخله الجنة إلا وهو مؤمن) (٦).

الدليل الثالث: نصوص فيها التصريح ببقاء الإيمان والأخوة الإيمانية مع ارتكاب الكبائر ومنها.

١ - قوله تعالى: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات: ٩ - ١٠].

استدل أهل السنة بهاتين الآيتين على أن المؤمن لا يكفر بارتكابه الكبائر، لأن الله - عز وجل - أبقى عليه اسم الإيمان مع ارتكابه لمعصية القتل (٧) ووصفهم بالأخوة وهي هنا أخوة الدين.

٢ - قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [البقرة: ١٧٨].

قال ابن الجوزي: دل قوله تعالى مِنْ أَخِيهِ على أن القاتل لم يخرج من الإسلام. (٨)


(١) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (٢/ ٩٧).
(٢) رواه البخاري (١٨)، ومسلم (١٧٠٩).
(٣) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (١١/ ٢٢٣).
(٤) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (١١/ ٢٢٤)، وانظر: ((شعب الايمان)) للبيهقي (٢/ ٩٨).
(٥) هذه هي الدلالة الثانية.
(٦) ((تعظيم قدر الصلاة)) للمروزي (٢/ ٦١٦ - ٦١٧).
(٧) انظر: ((فتح الباري)) (١/ ٨٥).
(٨) انظر: ((فتح الباري)) (١/ ٨٥)، ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٣٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>