للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بهذه الآية على أن الأخوة الإيمانية ثابتة مع ارتكاب المعاصي (١).

٣ - لعل مما يدخل تحت هذا الدليل ما رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبدالله وكان يلقب حماراً وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب فأتى به يوماً فأمر به فجلد فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تلعنوه، فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله)). (٢)

فالحديث صريح هنا ببقاء محبة الله ورسوله، وهي من أعظم أصول الإيمان القلبي مع تكرار شربه للخمر.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفيه الرد على من زعم أن مرتكب الكبيرة كافر لثبوت النهي عن لعن، والأمر بالدعاء له وفيه أن لا تنافي بين ارتكاب النهي وثبوت محبة الله ورسوله في قلب المرتكب لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر بأن المذكور يحب الله ورسوله مع وجود ما صدر منه (٣).

الدليل الرابع: شرع الله - عز وجل - إقامة الحدود على بعض الكبائر:

لعل هذا من أقوى الأدلة على فساد مذهب من يكفر مرتكب الكبيرة إذ لو كان السارق والقاذف وشارب الخمر، والمرتد سواء في الحكم لما اختلف الحد في كل منها، قال الإمام أبو عبيد رحمه الله: ... ثم قد وجدنا الله تبارك وتعالى يكذب مقالتهم، وذلك أنه حكم في السارق بقطع اليد، وفي الزاني والقاذف بالجلد، ولو كان الذنب يكفر صاحبه ما كان الحكم على هؤلاء إلا بالقتل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من بدل دينه فاقتلوه)) (٤) (٥)، أفلا ترى أنهم لو كانوا كفاراً لما كانت عقوباتهم القطع والجلد، وكذلك قول الله فيمن قُتل مظلوماً: فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا [الإسراء: ٣٣] فلو كان القتل كفراً ما كان للولي عفو ولا أخذ دية، ولزمه القتل (٦).

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: .. بل القرآن والنقل المتواتر عنه، يبين أن هؤلاء لهم عقوبات غير عقوبة المرتد عن الإسلام، كما ذكر الله في القرآن جلد القاذف والزاني، وقطع يد السارق، وهذا متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كانوا مرتدين لقتلهم، فكلا القولين مما يعلم فساده بالاضطرار من دين الإسلام (٧).

وقال الإمام ابن أبي العز الحنفي: ونصوص الكتاب والسنة والإجماع تدل على أن الزاني والسارق والقاذف لا يقتل، بل يقام عليه الحد، فدل على أنه ليس بمرتد (٨).

الدليل الخامس: نصوص صريحة في خروج من دخل النار من الموحدين بالشفاعة وبغيرها:

وهذا – أيضاً – من الأدلة الواضحة على عدم كفر مرتكب الكبائر وعدم خلوده في النار، إذ لو كان كافراً لما خرج من النار. والأدلة في هذا بلغت مبلغ التواتر، ونقل التواتر جمع من العلماء منهم الإمام البيهقي وابن تيمية وابن أبي العز الحنفي وابن الوزير اليماني، وقال: (وأحاديث الشفاعة المصرحة بخروج الموحدين من النار قاطعة في معناها بالإجماع، وهي قاطعة في ألفاظها .. لورودها عن عشرين صحابياً أو تزيد في (الصحاح) و (السنن) و (المسانيد)، وأما شواهدها بغير ألفاظها فقاربت خمسمائة حديث) (٩) ...

ومن هذه الأحاديث:


(١) انظر: ((مجموع الفتاوي)) (٣/ ١٥١).
(٢) رواه البخاري (٦٧٨٠).
(٣) ((فتح الباري)) (١٢/ ٧٨).
(٤) رواه البخاري (٣٠١٧). من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
(٥) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (٣/ ١٥١).
(٦) ((الإيمان)) لأبي عبيد القاسم بن سلام (٨٩).
(٧) ((الفتاوى)) (٧/ ٢٨٧ - ٢٨٨).
(٨) ((شرح العقيدة الطحاوية)) (٢/ ٤٤٣)
(٩) ((إيثار الحق على الخلق)) (ص٢٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>