للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرابع: أنهم يمتحنون في عرصات القيامة بنار يأمرهم الله سبحانه وتعالى بدخولها، فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً ومن لم يدخلها فقد عصى الله تعالى فهو من أهل النار، وهذا قول جمهور السلف، حكاه الأشعري عنهم (١)، وممن قال به محمد بن نصر المروزي (٢)، والبيهقي (٣)، وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وابن كثير وغيرهم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( .. ومن لم تقم عليه الحجة في الدنيا بالرسالة كالأطفال والمجانين وأهل الفترات فهؤلاء فيهم أقوال أظهرها ما جاءت به الآثار أنهم يمتحنون يوم القيامة، فيبعث إليهم من يأمرهم بطاعته، فإن أطاعوه استحقوا الثواب، وإن عصوه استحقوا العذاب) (٤).

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله بعد حكايته المذاهب في أطفال المشركين وأدلتها: (المذهب الثامن: أنهم يمتحنون في عرصات القيامة، ويرسل إليهم هناك رسول وإلى كل من لم تبلغه الدعوة، فمن أطاع الرسول دخل الجنة، ومن عصاه أدخله النار وعلى هذا فيكون بعضهم في الجنة وبعضهم في النار، وبهذا يتألف شمل الأدلة كلها وتتوافق الأحاديث) (٥)، ثم ساق أدلة لهذا القول، وقال: (فهذه الأحاديث يشد بعضها بعضا، وتشهد لها أصول الشرع وقواعده، والقول بمضمونها هو مذهب السلف والسنة، نقله عنهم الأشعري رحمه الله .. ) (٦)، ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: ( .. وقد اختلف الأئمة رحمهم الله تعالى فيها قديماً وحديثاً وهي الولدان الذين ماتوا وهم صغار وآباؤهم كفار ماذا حكمهم؟ وكذا المجنون والأصم والشيخ الخرف ومن مات في الفترة ولم تبلغه دعوته وقد ورد في شأنهم أحاديث أنا أذكرها لك بعون الله وتوفيقه) (٧) ثم ساق عشرة أحاديث في هذه المسألة، ثم أشار إلى الأقوال في المسألة، ورجح أنهم يمتحنون يوم القيامة حيث قال: (وهذا القول يجمع بين الأدلة كلها، وقد صرحت به الأحاديث المتقدمة المتعاضدة الشاهد بعضه لبعض .. ) (٨).

ويقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله – بعدما رجح هذا القول -: (إن الجمع بين الأدلة واجب متى ما أمكن بلا خلاف، لأن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما ولا وجه للجمع بين الأدلة إلا هذا القول بالعذر والامتحان .. ) (٩).

ومن أهم أدلتهم على هذا القول دليلان:

الأول: استدلوا بعموم الآيات الدالة على نفي التعذيب قبل بلوغ الحجة، من مثل قوله تعالى عن أهل النار: كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا [الملك: ٨ - ٩].


(١) ((الإبانة)) للأشعري (ص٣٣)، وانظر: ((مجموع الفتاوى)) لشيخ الإسلام ابن تيمية (٢٤/ ٣٧٣)، و ((أحكام أهل الذمة)) لابن قيم الجوزية (٢/ ٦٤٩).
(٢) في كتابه "الرد على ابن قتيبة" نقلاً عن أحكام أهل الذمة ٢/ ٦٥٠.
(٣) انظر: ((الاعتقاد)) للبيهقي (ص١٧٠).
(٤) ((الجواب الصحيح)) (١/ ٣١٢)، وانظر: ((درء التعارض)) (٨/ ٤٠١)، ((مختصر الفتاوى المصرية)) (ص٦٤٣)، و (مجموع الفتاوى)) (٢٤/ ٣٧١ - ٣٧٢).
(٥) ((طريق الهجرتين)) (ص٣٦٩).
(٦) ((طريق الهجرتين)) (ص٣٧١).
(٧) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (٣/ ٢٨)، نلاحظ في هذا النص عن ابن كثير، وفي كلام ابن تيمية وابن القيم السابق، أنهم يساوون بين أهل الفترة وأطفال المشركين في الحكم.
(٨) ((تفسير القرآن العظيم)) (٣/ ٣٠).
(٩) ((أضواء البيان)) (٣/ ٤٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>