للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن هناك دلالات تفصيلية أن المراد بالنص الشرك أو الكفر الأصغر. من ذلك صريح النص عليه – وهذه أقوى دلالة – ذلك كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر. قالوا: يا رسول الله، وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء)) (١).

ومن ذلك دلالة نصوص أخرى – وهذا باب واسع – ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم:

((سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)) (٢)، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)) (٣) .. مع قوله تعالى: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات: ٩] فالكفر المراد في الحديث ليس الكفر المخرج من الملة، وإلا لما أثبت الله لمن تقاتلوا وصف الإيمان الذي هو في الآية الإسلام الظاهر.

ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما)) (٤)، وفي روايةٍ ((إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما)) (٥)

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في معنى هذا الحديث: (فقد سماه أخاه حين القول، وقد أخبر أن أحدهما باء بها، فلو خرج عن الإسلام بالكلية لم يكن أخاه) (٦).

ومن ذلك أيضاً عدم ترتب حد الردة على فاعله، وإن أقيم عليه حد العصاة، كما في الزاني والسارق مع نفي الإيمان عنهما.

ومن الدلالات على الشرك والكفر الأصغر أن يأتي منكراً غير معرف، فإن جاء معرفاً بأل دل على أن المقصود به الكفر المخرج من الملة، لا مطلق الكفر الذي يصدق على الكفر الأصغر كما يصدق على الكفر الأكبر.

ولهذا فإن تارك الصلاة كافر كفراً أكبر لمجيء الحديث في حكم تاركها على التعريف، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)) (٧).

ويؤيد ذلك دلالة أخرى وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) (٨). فإذا كان الحد الذي بين المسلمين والكفار هي الصلاة فإن تركها كفر أكبر.


(١) رواه أحمد (٥/ ٤٢٨) (٢٣٦٨٠)، والطبراني (٤/ ٢٥٣). من حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه. قال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (١/ ٥٢): إسناده جيد. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١/ ١٠٧): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وقال ابن حجر في ((بلوغ المرام)) (ص٤٤٠): إسناده حسن. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (٩٥١): إسناده جيد.
(٢) رواه البخاري (٤٨)، ومسلم (٦٤). من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.
(٣) رواه البخاري (١٢١)، ومسلم (٦٥). من حديث جرير رضي الله عنه.
(٤) رواه البخاري (٦١٠٣)، ومسلم (٦٠). من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(٥) رواه مسلم (٦٠). من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(٦) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (ص٧/ ٣٥٥).
(٧) رواه مسلم (٨٢). بلفظ: (وبين الشرك والكفر) بدلا من (وبين الكفر والشرك).
(٨) رواه الترمذي (٢٦٢١) وقال: حسن صحيح غريب. وقال الحاكم (١/ ٤٨): هذا حديث صحيح الإسناد لا تعرف له علة بوجه من الوجوه فقد احتجا جميعا بعبد الله بن بريدة عن أبيه، واحتج مسلم بالحسين بن واقد ولم يخرجاه بهذا اللفظ ولهذا الحديث شاهد صحيح على شرطهما جميعا. وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>