للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الدلالات أيضاً على الشرك والكفر الأصغر ما فهمه الصحابة من النص، فإنهم أعلم الأمة بمعاني نصوص الكتاب والسنة، ومن ذلك حديث ((الطيرة شرك، وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل)) (١) فإن آخر الحديث - على الصحيح - هو من قول ابن مسعود رضي الله عنه - وهذا مذكور عن جمع من المحدثين (٢) - ومعناه: وما منا إلا ويقع له شيء من التطير. ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة لعبد الله بن محمد القرني– ص ٢٦٨

قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام: وأما الآثار المرويات بذكر الكفر والشرك، ووجوبهما بالمعاصي، فإن معناها عندنا ليست تُثبت على أهلها كفرا ولا شركا يزيلان الإيمان عن صاحبه، إنما وجوبها أنها من الأخلاق والسنن التي عليها الكفار والمشركون (٣).

والأصل الذي اعتمده أهل السنة في هذا الباب أن (الرجل قد يجتمع فيه كفر وإيمان، وشرك وتوحيد، وتقوى وفجور، ونفاق وإيمان، وهذا من أعظم أصول أهل السنة، وخالفهم فيه غيرهم من أهل البدع كالخوارج والمعتزلة والقدرية، ومسألة خروج أهل الكبائر من النار وتخليدهم فيها مبنية على هذا الأصل) (٤).

وقال الشيخ ابن عثيمين في شرح حديث ((اثْنَتَانِ فِي الناسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ ... )) (٥): (قوله: ((كفر)): أي هاتان الخصلتان كفر، ولا يلزم من وجود خصلتين من الكفر في المؤمن أن يكون كافرا، كما لا يلزم من وجود خصلتين في الكافر من خصال الإيمان كالحياء والشجاعة والكرم أن يكون مؤمنا. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: بخلاف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بَيْنَ الرَّجُلِ والشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ)) (٦) فإنه أتى بأل الدالة على الحقيقة، فالمراد بالكفر هنا الكفر المخرج عن الملة، بخلاف مجيء ((كفر)) نكرة، فلا يدل على الخروج عن الإسلام) (٧).

وقال في تعريف الشرك الأصغر: كل عمل قولي أو فعلي أَطلق عليه الشرع وصف الشرك، ولكنه لا يخرج من الملة، مثل الحلف بغير الله (٨).

وليُعلم أن ... من صور الشرك الأصغر، كالحلف بغير الله، والرياء، والاستسقاء بالأنواء، قد تصير من الشرك الأكبر، في بعض الحالات، قال الشيخ ابن عثيمين: والحلف بغير الله شرك أكبر إذا اعتقد أن المحلوف به مساوٍ لله تعالى في التعظيم والعظمة، وإلا فهو شرك أصغر (٩).

تنبيه:

الأصل أن تحمل ألفاظ الكفر والشرك الواردة في الكتاب والسنة- وخاصة المعرف منها بأل- على حقيقتها المطلقة، ومسماها المطلق، وذلك كونها مخرجة من الملة، حتى يجيء ما يمنع ذلك، ويقتضي الحمل على الكفر الأصغر والشرك الأصغر.


(١) رواه أبو داود (٣٩١٠)، والترمذي (١٦١٤)، وابن ماجه (٣٥٣٨)، وأحمد (١/ ٣٨٩)، والحاكم (١/ ٦٥). والحديث سكت عنه أبو داود. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح سنده، ثقات رواته، ولم يخرجاه. وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (٤/ ١٠٨)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.
(٢) راجع أقوالهم في كتاب ((المنهج السديد في تخريج أحاديث تيسير العزيز الحميد)) جاسم الدوسري (ص١٦٢).
(٣) ((الإيمان)) لأبي عبيد (ص٤٣).
(٤) ((الصلاة)) لابن القيم (ص٥١)، وينظر: ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٣٥٣ - ٣٥٥).
(٥) رواه البخاري (٤٨)، ومسلم (٦٤) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(٦) رواه مسلم (٨٢). من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه.
(٧) ((القول المفيد شرح كتاب التوحيد)) (٢/ ٢١٦)، وانظر: ((التعليق على صحيح مسلم)) (١/ ٢٩١)، وكلام شيخ الإسلام هو في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (١/ ٢٣٧).
(٨) ((مجموع فتاوى)) ابن عثيمين (٢/ ٢٠٣)، و ((شرح الأصول الثلاثة)) ضمن ((مجموع الفتاوى)) له (٧/ ١١٥).
(٩) ((القول المفيد)) (٢/ ٣٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>