للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن التطبيقات العملية لتكفير المعين إذا قامت عليه الحجة إجماع السلف على قتال الطائفة الممتنعة (١) عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة، استناداً لقتال الصحابة لمانعي الزكاة رغم إقرارهم بها، واعتمد شيخ الإسلام هذه القاعدة في فتواه الشهيرة عن التتار ووجوب قتالهم كحال المرتدين فقال رحمه الله: (كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة من هؤلاء القوم وغيرهم فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، وملتزمين بعض شرائعه، كما قاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه مانعي الزكاة، وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبي بكر رضي الله عنهما فاتفق الصحابة رضي الله عنهم على القتال على حقوق الإسلام عملاً بالكتاب والسنة فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات أو الصيام، أو الحج أو التزام تحريم الدماء والأموال، والخمر والزنا .. فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها، وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء) إلى أن يقول رحمه الله: (وهؤلاء عند المحققين من العلماء ليسوا بمنزلة البغاة الخارجين على الإمام أو الخارجين عن طاعته، كأهل الشام مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فإن أولئك خارجون عن طاعة إمام معين، أو خارجون لإزالة ولايته، وأما المذكورون فهم خارجون عن الإسلام) (٢) بمنزلة مانعي الزكاة، وبمنزلة الخوارج الذين قاتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه (٣)، وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب- بعدما ذكر بعض الأمثلة - (ولو ذهبنا نعدد من كفره العلماء مع ادعائه الإسلام وأفتوا بردته لطال الكلام .. ) (٤)

وبهذه الأمثلة والتطبيقات تتضح الصورة لمريد الحق إن شاء الله. والخلاصة أن من أظهر شيئاً من مظاهر الكفر لا يكفر حتى تقام عليه الحجة للتأكد من دوافعه لهذا العمل فإذا زالت الشبهة وأصر استتيب فإن تاب وإلا قتل. لكن يرد تساؤل هنا وهو ما مفهوم قيام الحجة؟ وهل كل من فعل مكفراً ولو كان في دار علم، يقال لم تقم عليه الحجة؟ نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبدالله بن علي الوهيبي – ١/ ٢٠٩

وينبغي أن يُعلم أنه لا يخلو حال من التزم بغير الشريعة سواء كان مشرعاً أو حاكماً من ثلاثة احتمالات:

الأول: أن يكون جاهلاً بلزوم الالتزام بالشريعة، غير جاهل ولا متأول.

الثالث: أن يكون عالماً بلزوم الالتزام بالشرعية، لكنه يجهل أن فعله يتعارض مع أصل الالتزام بالشريعة، لعدم علمه بالحكم الشرعي في ذلك. فلا يكون فعله رداً لها، أو متأولاً غير قاصد رد حكم الله ولو علمه.

فمن كان جاهلاً أنه يلزمه اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، والالتزام بالشريعة إجمالاً فهو كافر كفراً أصلياً. لأن من شروط تحقيق شهادة أن محمداً رسول الله العلم بمدلولها، الذي هو تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم والالتزام بالشريعة، تصديقاً والتزاماً إجمالياً، يقتضي التصديق والالتزام التفصيلي. وهذا الأمر لا يعذر فيه أحد بجهل أو تأول أو إكراه، فلا يتحقق الإيمان إلا به، ولا تكون النجاة في الآخرة دون تحقيقه.


(١) لا يلزم من المقالة التكفير في كل حال، لكن قتال الطائفة الممتنعة من باب التكفير كما في كلام شيخ الإسلام.
(٢) وهذا يدل على تكفير شيخ الإسلام للتتار.
(٣) ((مجموع الفتاوى)) (٢٨/ ٥٠٢ - ٥٠٤)، وانظر الفتوى كاملة ومفصلة (٢٨/ ٥٠١ - ٥٤٣).
(٤) ((الرسائل الشخصية)) (٢٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>