للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول الشيخ محمد رشيد رضا عن آيات المائدة وحكم المعرض عن شرع الله: (في الآية الأولى كان الكلام في التشريع وإنزال الكتاب مشتملاً على الهدى والنور، والتزام الأنبياء وحكماء العلماء العمل به، والوصية بحفظه. وختم الكلام ببيان أن كل معرض عن الحكم به لعدم الإذعان له، رغبة عن هدايته ونوره، مؤثراً لغيره عليه فهو كافر به. وهذا واضح لا يدخل فيه من لم يتفق له الحكم به، أو من ترك الحكم به عن جهالة ثم تاب إلى الله. وهذا العاصي بترك الحكم الذي يتحامى أهل السنة القول بتكفيره) (١).

وفي بيان الفرق بين الحكم على الفعل والحكم على الفاعل. واشتراط انتفاء الشبهة في تكفير من حكم بالقوانين الوضعية يقول الشيخ محمد بن عثيمين حفظه الله: (من وضع قوانين تشريعية مع علمه بحكم الله، وبمخالفة هذه القوانين لحكم الله فهذا قد بدل الشريعة بهذه القوانين فهو كافر، لأنه لم يرغب بهذا القانون عن شريعة الله إلا وهو يعتقد أنه خير للعباد والبلاد من شريعة الله، وعندما نقول بأنه كافر فمعنى ذلك أن هذا الفعل يوصل إلى الكفر.

ولكن قد يكون الواضع له معذوراً، مثل أن يغرر به، كأن يقال إن هذا لا يخالف الإسلام، أو هذا من المصالح المرسلة، أو هذا مما رده الإسلام إلى الناس) (٢).

ويقول الأستاذ عبد القادر عودة رحمه الله في نفس القضية: (من المتفق عليه أن من يستحدث من المسلمين أحكاماً غير ما أنزل الله، ويترك الحكم بكل أو بعض ما أنزل، من غير تأويل يعتقد صحته فإنه يصدق عليهم ما وصفهم به الله تعالى من الكفر والظلم والفسق، كل بحسب حالته) (٣). ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة لعبد الله بن محمد القرني– ص ١٧١

والمقصود الإشارة إلى أمرين:

الأول: ضرورة الاحتياط وعدم التسرع في إطلاق الحكم على المعين، الذي قد يكون معذورا بوجه من الوجوه، ولهذا قال شيخ الإسلام: (ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعيّن إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع. يبيّن هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه) (٤).

وقال: وأصل ذلك أن المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع، يقال: هي كفرٌ قولاً يطلقُ، كما دلت على ذلك الدلائل الشرعية؛ فإن الإيمان من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله، ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم، ولا يجب أن يحكم في كل شخص قال ذلك بأنه كافر، حتى يثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه، مثل من قال: إن الخمر أو الربا حلال؛ لقرب عهده بالإسلام، أو لنشوئه في بادية بعيدة، أو سمع كلاماً أنكره ولم يعتقد أنه من القرآن، ولا أنه من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (٥).


(١) ((تفسير المنار)) محمد رشيد رضا (٦/ ٤٠٤)
(٢) ((القول المفيد على كتاب التوحيد)) الشيخ محمد بن عثيمين (٢/ ٢٦٨ – ٢٦٩)
(٣) ((التشريع الجنائي الإسلامي)) عبد القادر عودة (٢/ ٧٠٩).
(٤) ((مجموع الفتاوى)) (١٢/ ٤٨٧).
(٥) ((مجموع الفتاوى)) (٣٥/ ١٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>