للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: والتحقيق في هذا أن القول قد يكون كفراً، كمقالات الجهمية الذين قالوا: إن الله لا يتكلم، ولا يُرى في الآخرة، ولكن قد يخفى على بعض الناس أنه كفر، فيُطلقُ القول بتكفير القائل، كما قال السلف: من قال: القرآن مخلوق فهو كافر، ومن قال: إن الله لا يُرى في الآخرة فهو كافر، ولا يكفر الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة، كمن جحد وجوب الصلاة والزكاة، واستحل الخمر والزنا، وتأول؛ فإن ظهور تلك الأحكام بين المسلمين أعظم من ظهور هذه، فإذا كان المتأول المخطئ في تلك لا يُحكم بكفره إلا بعد البيان له واستتابته، كما فعل الصحابة في الطائفة الذين استحلوا الخمر، ففي غير ذلك أولى وأحرى. (١).

وقال أيضا: ولهذا اتفق الأئمة على أن من نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم والإيمان، وكان حديث العهد بالإسلام، فأنكر شيئا من هذه الأحكام الظاهرة المتواترة، فإنه لا يُحكم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسول. (٢).

وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: (فإن الذي لم تقم عليه الحجة، هو الذي حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، أو يكون ذلك في مسائل خفية، مثل مسألة الصرف والعطف، فلا يكفر حتى يعرّف. وأما أصول الدين التي وضحها الله، وأحكامها في كتابه، فإن حجة الله هي القرآن، فمن بلغه فقد بلغته الحجة، ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة، وفهم الحجة) (٣).

والأمر الثاني:

التنبيه على خطأ عظيم وقع فيه بعض من تكلم في ضوابط التكفير، وهو ظنهم أن الشهوة أو إرادة الدنيا، مانع من موانع التكفير، وأن الإنسان لا يكفر إلا إذا قصد الكفر واعتقده وانشرح صدره به.

ومقصودهم أن الإنسان لو قال الكفر أو عمله، عامداً عالماً أنه كفر، ثم زعم أنه لم يُرد الكفر، وإنما أراد تحصيل شهوة أو عرض من الدنيا، أنه لا يكفر.

وهذا ضلال بيِّن، مخالف لما دل عليه الكتاب والسنة في مواضع، فإن الله تعالى بيَّن أن من أسباب الكفر والردة إرادةَ الحياة الدنيا واستحبابَها، فكيف يأتي من يجعل ذلك مانعا من موانع التكفير.

١ - قال الله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [النحل:١٠٦ - ١٠٧]

٢ - وقال سبحانه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [التوبة:٦٥ - ٦٦]


(١) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٦١٩).
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (١١/ ٤٠٧).
(٣) ((الدرر السنية)) (١٠/ ٤٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>