للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشيخ حمد بن علي بن عتيق: ردا على أحد المخالفين: (وأما خروجه عما بعث الله به رسوله من الكتاب والسنة وما عليه الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم، فقوله: (فمن شرح بالكفر صدرا أي فتحه ووسعه وارتد عن الدين وطابت نفسه بالكفر، فذلك الذي ندين الله بتكفيره). هذه عبارته، وصريحها أن من قال الكفر أو فعله، لا يكون كافرا، وأنه لا يكفر إلا من فتح صدره للكفر ووسعه، وهذا معارضة لصريح المعقول وصحيح المنقول، وسلوك سبيل غير سبيل المؤمنين؛ فإن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة قد اتفقت على أن من قال الكفر أو فعله كفر، ولا يشترط في ذلك انشراح الصدر بالكفر، ولا يستثنى من ذلك إلا المكره. وأما من شرح بالكفر صدرا، أي فتحه ووسعه وطابت نفسه به ورضي، فهذا كافر عدو لله ولرسوله وإن لم يتلفظ بذلك بلسانه ولا فعله بجوارحه، هذا هو المعلوم بدلالة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة، ونبين ذلك بوجوه ... ) (١).

وقد جاء في سبب نزول آية التوبة، ما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء! فقال رجل في المجلس: كذبت، ولكنك منافق! لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن. قال عبدالله بن عمر: فأنا رأيته متعلقاً بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة، وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُون لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: ٦٥ - ٦٦] (٢).

وينبغي أن يُعلم أن هؤلاء المستهزئين الذين كفروا بعد إيمانهم، لم يكونوا قبل ذلك كافرين منافقين، كما ذهب إليه البعض، بل التحقيق أنهم كانوا مسلمين معهم إيمان ضعيف، لم يمنعهم من تلك المقالة، فكفروا بها.

وقد بيّن الله أنّ كفرهم كان بهذا القول لا بشيء آخر، ولم يكذبهم فيما ادعوه من الهزل وعدم إرادة الكفر، وفي هذا يقول شيخ الإسلام:


(١) ((الدفاع عن أهل السنة والاتباع))، (ص: ٢٠) وما بعدها، وقد رد على تلك الضلالة من عشرة أوجه.
(٢) رواه الطبري في ((تفسيره)) (١٤/ ٣٣٣)، وابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (٧/ ٣١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>