للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والآية الثانية: قوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [النحل:١٠٦] فلم يعذر الله من هؤلاء إلا من أكره مع كون قلبه مطمئناً بالإيمان، وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه، سواء فعله خوفاً أو مداراة، أو مشحةً بوطنه أو أهله أو عشيرته أو ماله، أو فعله على وجه المزح أو لغير ذلك من الأغراض، إلا المكره.

فالآية تدل على هذا من وجهين:

الأول: قوله تعالى: إِلا مَنْ أُكْرِهَ فلم يستثن الله تعالى إلا المكره، ومعلوم أن الإنسان لا يكره إلا على الكلام أو الفعل، وأما عقيدة القلب فلا يكره أحد عليها.

والثاني: قوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ [النحل: ١٠٧] , فصرح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد والجهل والبغض للدين ومحبة الكفر، وإنما سببه أن له في ذلك حظا من حظوظ الدنيا فآثره على الدين) (١).

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله موضحاً وشارحاً: (فالحاصل أن الذي يتكلم بكلمة الكفر لا يخلو من خمس حالات:

الحالة الأولى: أن يكون معتقدا ذلك بقلبه، فهذا لا شك في كفره.

الحالة الثانية: أن لا يكون معتقدا ذلك بقلبه، ولم يكره على ذلك، ولكن فعله من أجل طمع الدنيا أو مداراة الناس وموافقتهم، فهذا كافر بنص الآية: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ [النحل: ١٠٧].

الحالة الثالثة: من فعل الكفر والشرك موافقة لأهله وهو لا يحبه ولا يعتقده بقلبه، وإنما فعله شحا ببلده أو ماله أو عشيرته.

الحالة الرابعة: أن يفعل ذلك مازحا ولاعبا، كما حصل من النفر المذكورين. وهذا يكون كافرا بنص الآية الكريمة.

الحالة الخامسة: أن يقول ذلك مكرها لا مختارا، وقلبه مطمئن بالإيمان، فهذا مرخص له في ذلك دفعا للإكراه.

وأما الأحوال الأربعة الماضية فإن صاحبها يكفر كما صرحت به الآيات.

وفي هذا رد على من يقول: إن الإنسان لا يحكم عليه بالكفر ولو قال كلمة الكفر أو فعل أفعال الكفر حتى يعلم ما في قلبه، وهذا قول باطل مخالف للنصوص، وهو قول المرجئة الضلال) (٢).

وقال أيضا: (وهذا يدل على بطلان قول من يقول: إن من قال كلمة الكفر أو عمل الكفر لا يكفر حتى يعتقد بقلبه ما يقول ويفعل. ومن يقول: إن الجاهل يعذر مطلقا ولو كان بإمكانه أن يسأل ويتعلم، وهي مقالة ظهرت ممن ينتسبون إلى العلم والحديث في هذا الزمان) (٣).


(١) ((كشف الشبهات))، ضمن ((الجامع الفريد)) (ص٢٧٧) وما بعدها.
(٢) ((شرح كشف الشبهات)) للشيخ صالح الفوزان، (ص: ١٢٢).
(٣) ((شرح كشف الشبهات)) للشيخ صالح الفوزان، (ص: ٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>