للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثاني: أن القرآن دل في آيات كثيرة على شمول التعذيب المنفي في الآية للتعذيب في الآخرة، كقوله: كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قالوا بلى [الملك:٨ - ٩] وهو دليل على أن جميع أفواج أهل النار ما عذبوا في الآخرة إلا بعد إنذار الرسل) (١).

ويمكن أن يقال ثالثاً: إن هذه النصوص إذا نفت التعذيب الدنيوي فالأخروي من باب أولى والله أعلم.

إذاً لا تقوم الحجة إلا بإرسال الرسل وإنزال الكتب وبلوغ ذلك إلى المعين (٢). نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبدالله بن علي الوهيبي – ١/ ٢١٨

ولقد أرسل الله الرسل عليهم السلام مبشرين ومنذرين، وأقام سبحانه للناس أسباب الهداية، ومن تمام حكمته وعدله أنه لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه، كما قال تعالى: وَمَا كُنا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء: ١٥] وقال تعالى: رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلناسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء: ١٦٥]، وقال تعالى: كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ [الملك: ٧ - ٨].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار)) (٣)

وتوضيحاً لما سبق ذكره نختار نبذة من مقولات العلماء على النحو الآتي:

يقول ابن حزم: قال الله تعالى لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ [الأنعام: ١٩]، وقال عز وجل وَمَا كُنا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء: ١٥].

فنص تعالى على أن النذارة لا تلزم إلا من بلغته، لا من لم تبلغه، وأنه تعالى لا يعذب أحداً حتى يأتيه رسول من عند الله عز وجل، فصح بذلك أنه من لم يبلغه الإسلام أصلاً فإنه لا عذاب عليه، وهكذا جاء النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ((أنه يؤتى يوم القيامة بالشيخ الخرف، والأصم، ومن كان في الفترة، والمجنون، فيقول المجنون يارب أتاني الإسلام، وأنا لا أعقل، ويقول الخرف والأصم، والذي في الفترة أشياء ذكرها، فيوقد لهم نار، ويقال لهم: أدخلوها، فمن دخلها وجدها برداً وسلاماً)) (٤)، وكذلك من لم يبلغه الباب من واجبات الدين، فإنه معذور لا ملامة عليه. (٥).

ويقول الشاطبي: _ جرت سنته _ سبحانه _ في خلقه، أنه لا يؤاخذ بالمخالفة إلا بعد إرسال الرسل، فإذا قامت الحجة عليهم، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ولكلٍ جزاء مثله.


(١) ((أضواء البيان)) (٣/ ٤٣٤).
(٢) وسيأتي بعض الإيضاح لذلك في الفصل القادم.
(٣) رواه مسلم (٢٤٠)
(٤) رواه أحمد (٤/ ٢٢٤) (١٦٣٤٤) ولفظه: (أربعة يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام، وما أسمع شيئاً وأما الأحمق فيقول: رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر، وأما الهرم فيقول: ربي لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئاً، وأما الذي مات في الفترة، فيقول رب ما أتاني لك رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم أن أدخلوا النار، قال: فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها، لكانت عليهم برداً وسلاماً). قال محققه شعيب الأرناؤوط: حديث حسن. وقال الألباني في ((صحيح الجامع)) (٨٨١): صحيح.
(٥) ((الفصل)) (٤/ ١٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>