للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما أنه تعالى أنزل القرآن برهاناً في نفسه على صحة ما فيه، وإقامة للحجة وزاد على يدي رسوله عليه الصلاة والسلام من المعجزات ما في بعضه كفاية (١)

ويقول ابن تيمية: وهذا أصل لابد من إثباته، وهو أنه قد دلت النصوص على أن الله لا يعذب إلا من أرسل إليه رسولاً تقوم به الحجة عليه. (٢)

ثم ساق النصوص القرآنية الدالة على ذلك ... ثم قال:

وإذا كان كذلك، فمعلوم أن الحجة إنما تقوم بالقرآن على من بلغه، كقوله تعالى: لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ [الأنعام: ١٩]. فمن بلغه بعض القرآن دون بعض، قامت الحجة عليه بما بلغه دون ما لم يبلغه. (٣) "

ثم قال: (والذي عليه السلف والأئمة أن الله تعالى لا يعذب إلا من بلغته الرسالة، ولا يعذب إلا من خالف الرسل كما دل عليه الكتاب والسنة، ومن لم تقم عليه الحجة في الدنيا بالرسالة كالأطفال، والمجانين وأهل الفترات، فهؤلاء فيهم أقوال، أظهرها ما جاءت به الآثار أنهم يمتحنون يوم القيامة، فيبعث إليهم من يأمرهم بطاعته، فإن أطاعوه استحقوا الثواب، وإن عصوه استحقوا العذاب) (٤).

... ويقرر ابن القيم أن العذاب يستحق بسببين، أحدهما: الإعراض عن الحجة وعدم إرادتها والعمل بها وبموجبها، والثاني: العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها، فالأول كفر إعراض، والثاني كفر عناد، وأما الجهل مع عدم قيام الحجة، وعدم التمكن من معرفتها، فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل (٥).

ومن الفوائد التي أوردها العراقي في شرحه لحديث ((لا يسمع بي أحد من هذه الأمة .. )) قوله: ومفهومه إن لم تبلغه دعوة الإسلام فهو معذور على ما تقرر في الأصول أن لا حكم قبل ورود الشرع على الصحيح (٦).

وأورد الشنقيطي مسألة (هل يعذر المشركون بالفترة (٧) أم لا؟) ثم قال: (والتحقيق أنهم معذورون بالفترة في الدنيا، وأن الله يوم القيامة يمتحنهم بنار يأمرهم باقتحامها، فمن اقتحمها دخل الجنة، وهو الذي كان يصدق الرسل لو جاءته في الدنيا، ومن امتنع دخل النار وعذب فيها، وهو الذي كان يكذب الرسل لو جاءته في الدنيا؛ لأن الله يعلم ما كانوا عاملين لو جاءتهم الرسل) (٨).

ومن خلال ما أوردناه من نصوص ونقول، يتقرر أن العذاب والمؤاخذة لا يقع إلا بعد النذارة وقيام الحجة، وأن أهل الفترة ومن في حكمهم يمتحنون يوم القيامة، كما جاءت بذلك الأحاديث والله تعالى أعلم (٩). نواقض الإيمان القولية والعملية لعبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف– ص٥٦

من بلغته الدعوة، فقد قامت عليه الحجة، كما قال ابن تيمية: (حكم الوعيد على الكفر، لا يثبت في حق الشخص المعين، حتى تقوم عليه حجة الله التي بعث بها رسله) (١٠).


(١) ((الموافقات)) (٣/ ٣٧٧)، بتصرف يسير.
(٢) ((الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح)) (١/ ٣٠٩).
(٣) ((الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح)) (١/ ٣١٠).
(٤) ((الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح)) (١/ ٣١٢). باختصار، وانظر ((مجموع الفتاوى)) (تفسير سورة الإخلاص) (١٧/ ٣٠٨).
(٥) ((طريق الهجرتين)) (ص ٤١٤)، وانظر ((مدارج السالكين)) (١/ ١٨٨).
(٦) ((طرح التثريب شرح التقريب)) (٧/ ١٦٠).
(٧) الفترة: هي ما بين كل نبيين كانقطاع الرسالة بين عيسي عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم / انظر ((تفسير ابن كثير)) (٢/ ٣٤).
(٨) ((أضواء البيان)) (٣/ ٤٨١)، وانظر التفصيل لهذه المسألة في نفس الكتاب (٣/ ٤٧٤ - ٤٨٤).
(٩) انظر للمزيد من التفصيل في هذا المطلب: ((تفسير ابن كثير)) (٣/ ٢٨ - ٣٢)، و ((إيثار الحق)) لابن الوزير (ص٢٠٦)، ((فتح الباري)) (٣/ ٢٤٦)، ((تفسير المنار)) (٦/ ٧٢، ٧٣)، ((أهل الفترة ومن في حكمهم)) لموفق أحمد شكري.
(١٠) ((بغية المرتاد)) (ص: ٣١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>