للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكما يقول ابن قدامه: أثناء كلامه عن تارك الصلاة (فإن كان جاحداً لوجوبها (أي الصلاة) نظر فيه، فإن كان جاهلاً به، وهو ممن يجهل ذلك كالحديث بالإسلام، والناشئ ببادية، عرف وجوبها وعلم ذلك، ولم يحكم بكفره لأنه معذور، فإن لم يكن ممن يجهل ذلك كالناشئ من المسلمين في الأمصار والقرى، لم يعذر ولم يقبل منه إدعاء الجهل، وحكم بكفره؛ لأن أدلة الوجوب ظاهرة في الكتاب والسنة، والمسلمين يفعلونها على الدوام، فلا يخفى وجوبها على من هذا حاله، ولا يجحدها إلا تكذيباً لله تعالى، ورسوله وإجماع الأمة، وهو يصير مرتداً عن الإسلام، ولا أعلم في هذا خلافاً) (١). ومن المهم أن يعلم أن العذر بالجهل تكتنفه وتتعلق به عدة أمور، منها نوعية المسألة المجهولة (٢)، كأن تكون من المسائل الخفية، وكذلك حال الجاهل كحديث عهد بالإسلام، أو الناشئ في البادية، ومن حيث حال البيئة، ففرق بين وجود مظنة العلم أو عدمه.

يقول ابن تيمية: (إن الأمكنة والأزمنة التي تفتر فيها النبوة، لا يكون حكم من خفيت عليه آثار النبوة حتى أنكر ما جاءت به خطأ، كما يكون حكمه في الأمكنة والأزمنة التي ظهرت فيها آثار النبوة) (٣).

ويقول أيضاً: (لا يكفر العلماء من استحل شيئاً من المحرمات لقرب عهده بالإسلام، أو لنشأته ببادية بعيدة، فإن حكم الكفر لا يكون إلا بعد بلوغ الرسالة، وكثير من هؤلاء قد لا يكون قد بلغته النصوص المخالفة لما يراه، ولا يعلم أن الرسول بعث بذلك) (٤).

ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (إن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام والذي نشأ ببادية، أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف (٥) فلا يكفر حتى يعرف، وأما أصول الدين التي أوضحها الله في كتابه فإن حجة الله هي القرآن، فمن بلغه فقد بلغته الحجة) (٦).

ويقول في موضع آخر: (إن الشخص المعين إذا قال ما يوجب الكفر، فإنه لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، وهذا في المسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض الناس وأما ما يقع منهم في المسائل الظاهرة الجلية، أو ما يعلم من الدين بالضرورة فهذا لا يتوقف في كفر قائله، ولا تجعل هذه الكلمة عكازة تدفع بها في نحر من كفر البلدة الممتنعة عن توحيد العبادة والصفات، بعد بلوغ الحجة ووضوح المحجة) (٧).


(١) ((المغني)) (٢/ ٤٤٢).
(٢) يقسم بعضهم تلك المسائل _ بهذا الاعتبار _ إلى أربعة أقسام: _ الأول: ما يكفر به مطلقاً ولا يعذر بجهله وهي الأمور الظاهرة والمعلومة من الدين بالضرورة. الثاني: ما لا يكفر بجهله وهي المسائل الخفية التي اختلف فيها، ولم يجمع عليها. الثالث: ما لا يكفر به إذا فعله جاهلاً، إلا بعد إعلامه بحكم الله فيه، وهو مما أجمع عليه .. ولكن تعرض فيه شبهه وسوء فهم. الرابع: المسائل الاجتهادية التي ليس فيها نص قطعي الرواية والدلالة، فهذه يعذر فيها كل مجتهد باجتهاده. انظر: ((مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)) (٤/ ٥٢٠، ٥٢١).
(٣) ((بغية المرتاد)) (ص: ٣١١).
(٤) ((مجموع الفتاوى)) (٢٨/ ٥٠١) وانظر (١١/ ٤٠٧).
(٥) الصرف والعطف من السحر، فيزعمون أنه يحبب المرأة لزوجها فلا ينصرف عنها.
(٦) ((مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب)) (٣/ ١١) ((الفتاوى))، وانظر ((الفتاوى)) (٤/ ٥٤، ١٢/ ١٨٠) لابن تيمية, وانظر تعليق الشيخ محمد رشيد رضا في ((مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)) (٤/ ٥١٧) وانظر ((مجموع فتاوى ابن باز)) (٤/ ٢٦، ٢٧).
(٧) ((الدرر السنية)) (٨/ ٢٤٤) , وانظر ((فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم)) (١/ ٧٣، ٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>