للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يجدر ذكره هاهنا، أننا في زمان قد تهيأت فيه الأسباب لتبليغ ونشر دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في البلدان عن طريق الوسائل المختلفة، التي جعلت سائر أقطار العالم كالبلد الواحد (١) إلا أن العذر بالجهل لا يزال ظاهراً في عصرنا، حيث قل أهل العلم العاملون، وكثر الأدعياء الذين يزينون الباطل والكفر للعامة، ويلبسون عليهم، وقد أشار ابن تيمية إلى أهل زمانه وهو بلا شك أقل سوء من زماننا الحاضر وما كان عليه الكثير من الوقوع في أنواع من الكفر، ومع ذلك عذرهم بهذا الجهل قائلاً:

(وهؤلاء الأجناس وإن كانوا قد كثروا في هذا الزمان، فلقلة دعاة العلم والإيمان، وفتور آثار الرسالة في أكثر البلدان، وأكثر هؤلاء ليس عندهم من آثار الرسالة وميراث النبوة ما يعرفون به الهدى، وكثير منهم لم يبلغهم ذلك، وفي أوقات الفترات، وأمكنة الفترات، يثاب الرجل على ما معه من الإيمان القليل، ويغفر الله فيه لمن لم تقم الحجة عليه، ما لا يغفر به لمن قامت الحجة عليه، كما في الحديث المعروف ((يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاةً، ولا صياماً، ولا حجاً، ولا عمرة، إلا الشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة، ويقولون: أدركنا آباءنا وهم يقولون لا إله إلا الله، فقيل لحذيفة بن اليمان: ما تغني عنهم لا إله إلا الله؟ فقال: تنجيهم من النار)) (٢) (٣).).

وعندما نقرر أن للعذر بالجهل اعتباراً في مسألة التكفير، فلا يعني أن الجهل عذر مقبول لكل من ادعاه. ولذا يقول الإمام الشافعي: (إن من العلم ما لا يسع بالغاً غير مغلوب على عقله جهله، مثل الصلوات الخمس، وأن لله على الناس صوم شهر رمضان، وحج البيت إذا استطاعوه، وزكاة في أموالهم، وأنه حرم عليهم الزنا والقتل، والسرقة والخمر، وما كان في معنى هذا) (٤).


(١) انظر ((المنتخبات من مكتوبات أحمد السر هندي)) (ص ٦٨).
(٢) رواه ابن ماجه (٤٠٤٩)، والحاكم (٤/ ٥٥٠). وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وقال البوصيرى في ((مصباح الزجاجة)) (٤/ ١٩٤): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).
(٣) ((الفتاوى)) (٣٥/ ١٦٥).
(٤) ((الرسالة)) (ص ٣٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>