للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما (التكفير) فالصواب أنه من اجتهد من أمة محمد – صلى الله عليه وسلم- وقصد الحق، فأخطأ لم يكفر، بل يغفر له خطؤه، ومن تبين له ما جاء به الرسول، فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى، واتبع غير سبيل المؤمنين: فهو كافر، ومن اتبع هواه، وقصر في طلب الحق، وتكلم بلا علم فهو عاص مذنب، ثم قد يكون فاسقاً، وقد تكون له حسنات ترجح على سيئاته .. ) (١)، ويقول – أيضاً -: (وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين، وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة) (٢)، وخلاصة هذا المبحث ما يلي:

قد تواترت النصوص من الكتاب والسنة في إعذار المخطئ، وأن حكمه حكم الجاهل والمتأول – فلا يكفر إلا بعد قيام الحجة عليه -، وأنه إن كان مجتهداً فيما يسوغ فيه الاجتهاد – فله أجر باجتهاده – ولو أخطأ – أما إن لم يكن مجتهداً وأخطأ فيأثم لتفريطه.

لكن هل يفرق في ذلك بين العقائد والأحكام؟

ب- هل يفرق بين العقائد والأحكام؟

... هذا التقسيم لا دليل عليه ولا يعرف عن السلف، والمفرقون لم يذكروا حدا منضبطاً يمكن به التفريق بين الأصول والفروع، والعذر بالخطأ من جنس العذر بالجهل، لذلك بين أئمة السلف أنه لا يأثم المجتهد المخطئ لا في الأصول ولا في الفروع، والخلاف في هذه المسألة بين أئمة السلف ومخالفيهم من المتكلمين ومن تأثر بهم، فرع عن الخلاف في أصل عام شامل، وهو: هل يمكن لكل أحد أن يعرف باجتهاده الحق في كل مسألة فيها نزاع، وإذا لم يمكنه فاجتهد واستفرغ وسعه فلم يصل إلى الحق، بل قال ما اعتقد أنه هو الحق في نفس الأمر، ولم يكن هو الحق في نفس الأمر: هل يستحق أن يعاقب أم لا؟ وهل يفرق في ذلك بين الأصول والفروع أو بين المسائل العلمية والعملية (٣)؟


(١) ((مجموع الفتاوى)) (١٢/ ١٨٠).
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (١٢/ ٤٦٦)، وانظر (١٢/ ٥٢٣، ٥٢٤).
(٣) أطال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في مناقشة هذا الأصل وأقوال الناس فيه، ثم بين أقوال السلف وأدلتهم، ومن باب الاختصار سنكتفي ببيان مذهب السلف في هذا الأمر، انظر ((منهاج السنة))، (٥/ ٨٤ - ١٢٥)، و ((مجموع الفتاوى)) (١٩/ ٢٠٣ - ٢٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>