للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثل هذا لا يكون إكراها على الكفر، فإن الأسير إذا خشي الكفار أن لا يزوجوه أو أن يحولوا بينه وبين امرأته لم يبح له التكلم بكلمة الكفر (١).

وقد يعظم الأمر وينحسر الإعذار بالتقية حتى لا يعذر بها كما في حال المكره على الكفر مع الدوام على ذلك لا في حالة عارضة. ولهذا لما سئل الإمام أحمد رحمه الله عن الرجل يؤسر فيعرض على الكفر ويكره عليه أله أن يرتد؟ فكرهه كراهة شديدة، وقال: ما يشبه هذا عندي الذي أنزلت فيهم الآية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أولئك كانوا يرادون على الكلمة ثم يتركون يعملون ما شاؤوا، وهؤلاء يريدونهم على الإقامة على الكفر وترك دينهم) (٢).

وبعد كل هذا:

فإنه إذا كان الرضى بالكفر الظاهر هو مناط التكفير على الحقيقة، ولم يمكن الحكم عليه ومعرفته إلا من حيث دلالة الظاهر عليه، وكان الإكراه مانعاً من الحكم بتكفير المعين، ولم يكن الإكراه محدوداً بحد منضبط يستوي فيه جميع أفراد المكلفين، فلم يبق إذن إلا اعتبار الإكراه ما أمكن أن يكون عذراً في درء الحكم بوصف الكفر للمعين، حتى إذا لم يمكن بحال أن يكون المعين مكرهاً ولو ادعاه كان كافراً.

ومعلوم أن مجرد احتمال عدم الإكراه أمر نسبي يختلف من معين إلى آخر، وأنه لابد للتحقق منه من تبين حال كل معين على التفصيل، قبل الحكم عليه بأن ما ادعاه إكراهاً، محتمل أو غير محتمل.

وهنا قد يحصل الخلاف في حكم معين، وهل هو معذور أم غير معذور، للاختلاف في أن ما اعتذر به من الإكراه محتمل أو غير محتمل

وهذا خلاف في تحقيق مناط الحكم. لكن الذي لا يصح الخلاف فيه هو مناط الحكم لا تحقيق مناطه. ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة لعبد الله بن محمد القرني- ص: ٣٧٨


(١) ((مجموعة التوحيد)) (ص: ٢٩٧).
(٢) ((المغني)) لابن قدامة (٨/ ١٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>