للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما من نطق بالكفر، وقال: قصدت المزاح؛ فهو كافر ظاهراً وباطناً، إذ حكم الكفر يلزم الجاد، والهازل، والمازح على السواء، وفي الآخرة أمرهم إلى الله تعالى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

(فمن قال بلسانه كلمة الكفر من غير حاجة عامداً لها عالماً بأنها كلمة كفر؛ فإنه يكفر بذلك ظاهراً وباطناً، ولا يجوز أن يقال: إنه في الباطن يجوز أن يكون مؤمناً، ومن قال ذلك فقد مرق من الإسلام) (١). الإيمان حقيقته خوارمه نواقضه عند أهل السنة عبدالله بن عبدالحميد الأثري – ص٢٦٥

هل للإكراه حد يستوي فيه جميع أفراد المعينين؟

والجواب:

أنه ليس للإكراه حد منضبط يحكم به على جميع المعينين، بل يختلف الحكم فيه باختلاف النظر في ثلاثة أمور هي:

١ - حال المكره، فإن الناس يختلفون في قدراتهم ومكانتهم وتحملهم للإكراه.

٢ - حال من وقع منه الإكراه، فإن الأمر في ذلك أيضاً مختلف.

٣ - الأمر الذي وقع عليه الإكراه. وهذا ظاهر أيضاً، فليس الإكراه على الكفر كالإكراه على المعصية، وليس الإكراه على مجرد القول كالإكراه على القول والفعل أو مجرد الفعل وهكذا.

فأما اختلاف الناس في قدراتهم فظاهر، فقد يكون إكراها في حق إنسان ما ليس بإكراه في حق غيره، لاختلافهما في تحمل الإكراه، حتى قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (ما من ذي سلطان يريد أن يكلفني كلاما يدرأ عني سوطاً أو سوطين إلا كنت متكلماً به) (٢).

ثم إن إكراه العالم مثلاً ليس كإكراه غيره، فإنه قد يضل بعض الناس بتقية العالم وأخذه بالرخصة.

ولهذا شدد الإمام أحمد رحمه الله في هذا الأمر حين سئل عن العالم وهل له أن يأخذ بالتقية في فتواه فقال: (إذا أجاب العالم تقية، والجاهل بجهل فمتى يتبين الحق؟) (٣).

وصدق الإمام أحمد رحمه الله، فإنه ما وقع اللبس والغبش في الأمة إلا بمداهنة العلماء وتجرؤ الجهال بالإفتاء بلا علم. وقد جعل رحمه الله من نفسه مثلاً في ذلك، فلم يداهن ولم يلن حين فتن على القول بخلق القرآن لما علم من افتتان الناس وانطماس وجه الحق لو فعل ذلك.

وأما اختلاف الإكراه باختلاف حال من يقع منه فظاهر وفرق بين من يعلم أنه عازم على إنفاذ وعيده وبين المهدد الذي يحتمل منه ذلك فقط وفرق أيضاً بين من كان له سلطة في تحقيق ما توعد به وبين من كان دون ذلك.

وأما اختلاف الإكراه باختلاف الأمر المكره عليه فأمر التفاوت فيه واسع، فما كان إكراها في أمر قد لا يكون إكراها في أمر آخر.

يقول الإمام النووي في بيان هذا التفاوت: (لا يشترط سقوط الاختيار، بل إذا أكرهه على فعل يؤثر العاقل الإقدام عليه حذراً مما تهدده به حصل الإكراه. فعلى هذا ينظر فيما يطلبه منه، وما هددوه به، فقد يكون الشيء إكراهاً في مطلوب دون مطلوب وفي شخص دون شخص) (٤).

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في نفس المسألة: (تأملت المذاهب فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكره. فليس المعتبر في كلمات الكفر كالإكراه المعتبر في الهبة ونحوها. فإن الإمام أحمد قد نص في غير موضع على أن الإكراه على الكفر لا يكون إلا بالتعذيب من ضرب أو قيد ولا يكون الكلام إكراها، وقد نص على أن المرأة لو وهبت زوجها صداقها بمسكنه فلها أن ترجع، على أنها لا تهب له إلا إذا خافت أن يطلقها أو يسيء عشرتها فجعل خوف الطلاق أو سوء العشرة إكراها.


(١) ((الصارم المسلول)) (ص: ٥٣٢).
(٢) ((المحلى)) لابن حزم (٨/ ٣٣٦).
(٣) ((البحر المحيط)) لأبي حيان (٢/ ٤٢٤).
(٤) ((روضة الطالبين)) للإمام النووي (٨/ ٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>