للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٩ - وقال تعالى: وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [المائدة: ٤٣] قال الإمام الطبري: (يَتَوَلَّوْنَ يقول: يتركون الحكم به، بعد العلم بحكمي فيه، جرأة علي وعصياناً لي) (١).

وقال- رحمه الله-: (وأصل التولي عن الشيء الانصراف عنه ... ) (٢).

١٠ - وورد لفظ التولي بمعنى التولي عن الطاعة في مواضع من القرآن، كقوله تعالى: فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذاباً أليماً [الفتح: ١٦].

وقوله سبحانه: لا يَصْلاهَا إِلَّا الأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى [الليل: ١٥ - ١٦] وقوله عز وجل: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى [القيامة: ٣١ - ٣٢] قال شيخ الإسلام: (فالتكذيب للخبر، والتولي عن الأمر، وإنما الإيمان تصديق الرسل فيما أخبروا، وطاعتهم فيما أمروا) (٣).

وقال في موضع آخر تعليقاً على هذه الآيات: (فعلم أن التولي ليس هو التكذيب، بل هو التولي عن الطاعة، فإن الناس عليهم أن يصدقوا الرسول فيما أخبر، ويطيعوه فيما أمر، وضد التصديق التكذيب، وضد الطاعة، التولي) (٤).

وقال- رحمه الله-: (والمتولي هو العاصي الممتنع عن الطاعة) (٥).

الخلاصة:

بعد هذا الإيجاز لكلام أهل اللغة والمفسرين، يمكن أن نستخلص من معاني الإعراض ما يلي:

١ - يأتي بمعنى: عدم الاستماع لأوامر الله عز وجل، وعدم المبالاة بها أو التفكر فيها وهو الغالب.

٢ - ويأتي بمعنى: عدم القبول لها، وهذا يأتي بعد الاستماع لها والتذكير بها.

٣ - ويأتي بمعنى الامتناع والتولي عن الطاعة، وهذا يكون بعد الاستماع والقبول.

٤ - ويأتي بمعنى: ترك العمل.

٥ - ويأتي بمعنى: الصدود.

٦ - ويأتي بمعنى: ترك حكم الله، والانصراف عنه مع العلم بحقيقته.

وحاصل ذلك يرجع إلى ثلاثة أمور:

الأول: يتعلق بالعلم (قول القلب)، من عدم الاستماع، وعدم المبالاة.

الثاني: يتعلق بالعمل (عمل القلب والجوارح).

أ - عمل القلب: من عدم القبول والاستسلام.

ب- عمل الجوارح: من الامتناع وترك العمل، والتولي عن الطاعة.

الثالث: الإعراض عن حكم الله والتحاكم إليه.

فهذا هو مفهوم الإعراض، وهذه هي أنواعه وحالاته.

ب- الإعراض المكفر وغير المكفر

بعد ذكر مفهوم الإعراض وحالاته، يرد علينا هذا التساؤل، ما الإعراض الذي هو ناقض من نواقض الإسلام؟ ذكر الإمام ابن القيم- رحمه الله- من أنواع الكفر الأكبر: كفر الإعراض، وعرفه قائلاً: (وأما كفر الإعراض: فإن يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول، لا يصدقه ولا يكذبه ولا يواليه ولا يعاديه، ولا يصغي إلى ما جاء به البتة) (٦)، وفصل ذلك في موضع آخر فقال: ( .. إن العذاب يستحق بسببين، أحدهما: الإعراض عن الحجة وعدم إرادتها والعمل بها وبموجبها، والثاني: العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها، فالأول كفر إعراض، والثاني كفر عناد، وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل) (٧).


(١) ((تفسير الطبري)) (١٠/ ٣٦٦) انظر (١٠/ ٣٩٢، ٥٧٥).
(٢) ((تفسير الطبري)) (١٠/ ٣٧٧).
(٣) ((الإيمان)) (ص: ٥٦).
(٤) ((الإيمان)) (ص: ١٣٧).
(٥) ((الإيمان الأوسط)) (ص: ١٥٤).
(٦) ((مدارج السالكين)) (١/ ٣٦٦، ٣٦٧) انظر ((مفتاح دار السعادة)) (ص: ٩٤).
(٧) ((طريق الهجرتين)) (ص: ٣٨٤) انظر ما قبلها، وانظر ((مفتاح دار السعادة)) (ص: ٤٤) و ((إرشاد الطالب)) (ص: ١٢، ١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>