للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن الشرك في النية والإرادة درجات، قد يكون شركاً أكبر وقد يكون دون ذلك، يقول الإمام ابن رجب – رحمه الله – موضحاً ذلك: (واعلم أن العمل لغير الله أقسام: فتارة يكون رياء محضاً بحيث لا يراد سوى مراءاة المخلوقين لغرض دنيوي كحال المنافقين في صلاتهم، قال الله عز وجل: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء: ١٤٢] وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط، وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة، وتارة يكون العمل لله ويشاركه الرياء، فإن شاركه من أصله فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه أيضاً وحبوطه، وفي (صحيح مسلم) عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تبارك وتعالى: ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)) (١)، وأما إن كان أصل العمل لله ثم طرأت عليه نية الرياء فلا يضره، فإن كان خاطراً ودفعه فلا يضره بلا خلاف، فإن استرسل معه فهل يحبط عمله أم لا يضره ذلك ويجازي على أصل نيته؟ في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير الطبري، وأرجو أن عمله لا يبطل بذلك، وأنه يجازى بنيته الأولى (٢)، وهو مروي عن الحسن البصري وغيره، فأما إذا عمل العمل لله خالصاً ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين بذلك بفضل الله ورحمته، واستبشر بذلك لم يضره ذلك، وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يعمل العمل لله من الخير يحمده الناس عليه فقال: ((تلك عاجل بشرى المؤمن)) (٣)) (٤).


(١) رواه مسلم (٢٩٨٥).
(٢) الخلاف والله أعلم في قبول العمل أو بطلانه، وليس في النقصان والخلل الحاصل بسبب الاسترسال في الرياء.
(٣) رواه مسلم (٢٦٤٢).
(٤) ((جامع العلوم والحكم)) (ص: ١٣ - ١٦) وانظر ((معارج القبول)) (١/ ٤٥٠ - ٤٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>