للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولخص ذلك الشيخ حافظ حكمي بعبارة أسهل ... ، قال – رحمه الله -: (ثم اعلم أن الرياء قد أطلق في كتاب الله كثيراً، ويراد به النفاق الذي هو أعظم الكفر، وصاحبه في الدرك الأسفل من النار كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [البقرة: ٢٦٤] وقال تعالى: وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينًا [النساء: ٣٨] والفرق بين هذا الرياء الذي هو النفاق الأكبر وبين الرياء الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم شركاً أصغر خفيًّا هو حديث ((الأعمال بالنيات ... )) (١) فإن كان الباعث على العمل هو إرادة الله والدار الآخرة وسلم من الرياء في فعله، وكان موافقاً للشرع فذلك العمل الصالح المقبول، وإن كان الباعث على العمل هو إرادة غير الله عز وجل فذلك النفاق الأكبر، سواء في ذلك من يريد به جاهاً ورئاسة وطلب دنيا، ومن يريد حقن دمه وعصمة ماله وغير ذلك، فهذان ضدان ينافي أحدهما الآخر لا محالة وإن كان الباعث على العمل هو إرادة الله عز وجل والدار الآخرة، ولكن دخل عليه الرياء في تزيينه وتحسينه فذلك هو الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم الشرك الأصغر، وهذا لا يخرج من الملة، ولكنه ينقص من العمل بقدره، وقد يغلب على العمل فيحبطه كله والعياذ بالله) (٢)، خلاصة ما سبق في شرك النية والإرادة والقصد: أن من أراد بعمله غير الله عز وجل فذلك شرك أكبر، وإن أراد بالعمل وجه الله عز وجل ولكن دخل عليه الرياء في أصله فقد حبط العمل وهذا هو الشرك الأصغر، أما إن طرأت عليه نية الرياء فقد نقص أجر عمله بحسب ذلك، ولنضرب لذلك مثالاً واحداً يتضح من خلاله المقصود. عبادة النسك والذبح يجب أن تكون خالصة لله سبحانه، فمن قصد بذبحه غير الله فقد أشرك الشرك الكبر، ومن قصد الله عز وجل، ولكن دخل الرياء في أصل نيته فقد بطل أجر هذا العمل، وإن طرأ الرياء عليه، فقد نقص من أجره بحسب ذلك، وهذا يرد على جميع العبادات من الأقوال والأفعال فالشرك فيها بحسب النية والقصد، وبذلك ندرك خطورة الشرك في ذلك، وضرورة توقيه.

شرك المحبة:

لما كانت المحبة أصل كل عمل من أعمال القلب والجوارح، كان الإشراك في المحبة، أصل كل إشراك عملي (٣)، فأصل الشرك في المشركين هو اتخاذهم أنداداً يحبونهم كحب الله (٤).

قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ [البقرة: ١٦٥].


(١) رواه البخاري (١).
(٢) ((معارج القبول)) (١/ ٤٥٣،٤٥٤).
(٣) انظر ((قاعدة في المحبة)) (٦٩).
(٤) ((مجموع الفتاوى)) (١٠/ ٧٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>