للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول الشوكاني: (قوله تعالى: ذَلِكُمْ فِسْقٌ إشارة إلى الاستقسام بالأزلام، أو إلى جميع المحرمات المذكورة هنا، والفسق الخروج عن الحد، وفي هذا وعيد شديد؛ لأن الفسق هو أشد الكفر، لا ما وقع عليه اصطلاح قوم من أنه منزلة متوسطة بين الإيمان والكفر) (١).

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ((ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر إلي شيئاً يكتمه الناس، غير أنه قد حدثني بكلمات أربع، فقيل: ما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثاُ، ولعن الله من غير منار الأرض)) (٢).

ومما يبين لك أن هؤلاء الذين ينذرون أو يذبحون لغير الله تعالى، إنما هو عن اعتقاد بأنها تجلب النفع أو تدفع الضر، ما يرى من أحوالهم وأوضاعهم، وقد بين العلماء ذلك في كتبهم، فهذا الصنعاني يوضح هذا الأمر فيقول – مناقشاً شبهات من يذبح لغير الله -: (فإن قال إنما نحرت لله، وذكرت اسم الله عليه، فقل: إن كان النحر لله فلأي شيء قربت ما تنحره من باب مشهد من تفضله وتعتقد فيه؟ هل أردت بذلك تعظيمه؟ إن قال: نعم، فقل له: هذا النحر لغير الله تعالى، بل أشركت مع الله تعالى غيره، وإن لم ترد تعظيمه، فهل أردت توسيخ باب المشهد وتنجيس الداخلين؟ إليه أنت تعلم يقيناً أنك ما أردت ذلك أصلاً، ولا أردت إلا الأول، ولا خرجت من بيتك إلا قصداً له) (٣).

ويقول أيضاً – مبيناً حكم هذه النذور والنحائر -: (فإن قلت هذه النذور والنحائر ما حكمها؟ قلت: قد علم كل عاقل أن الأموال عزيزة عند أهلها، يسعون في جمعها، ولو بارتكاب كل معصية، ويقطعون الفيافي من أدنى الأرض والأقاصي، فلا يبذل أحد من ماله شيئاً إلا معتقداً لجلب نفع أكثر منه، أو دفع ضرر، فالناذر للقبر ما أخرج ماله إلا لذلك، وهذا اعتقاد باطل، ولو عرف الناذر بطلان ما أراده، ما أخرج درهماً) (٤).


(١) ((فتح القدير)) (٢/ ١٠) وانظر ((فتح القدير)) (١/ ٥٧) و ((إيثار الحق على الخلق)) لابن الوزير (ص: ٤٥١).
(٢) رواه مسلم (١٩٧٨).
(٣) ((تطهير الاعتقاد)) (ص: ٣٣).
(٤) ((تطهير الاعتقاد)) (ص: ٣٣)، وانظر ((سبل السلام)) (٤/ ٢٢٥) للصنعاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>