للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك الشوكاني يقرر أن هذه الأعمال الشركية صادرة عن الباطن، وأن أصحابها يعتقدون فيها النفع والضر، فيقول: (وكذلك النحر للأموات عبادة لهم، والنذر لهم بجزء من المال عبادة لهم، والتعظيم عبادة لهم، كما أن النحر للنسك وإخراج صدقة المال، والخضوع والاستكانة عبادة لله عز وجل بلا خلاف، ومن زعم أن ثم فرقاً بين الأمرين فليهده إلينا، ومن قال إنه لم يقصد بدعاء الأموات والنحر لهم والنذر لهم عبادتهم، فقل له: فلأي مقتضى صنعت هذا الصنع؟ فإن دعاءك للميت عند نزول أمر ربك لا يكون إلا لشيء في قلبك عبر عنه لسانك، فإن كنت تهذي بذكر الأموات عند عرض الحاجات من دون اعتقاد منك لهم، فأنت مصاب بعقلك، وهكذا إن كنت تنحر لله، وتنذر لله، فلأي معنى جعلت ذلك للميت وحملته إلى قبره، فإن الفقراء على ظهر البسيطة في كل بقعة من بقاع الأرض وفعلك وأنت عاقل لا يكون إلا لمقصد قد قصدته، أو أمر قد أردته .. ) (١). ويعلل صاحب كتاب (التوضيح عن توحيد الخلاق) (٢) كون النذر لغير الله تعالى من الشرك الاعتقادي قائلاً: (لأن الناذر لم ينذر هذا النذر الذي لغير الله إلا لاعتقاده في المنذور له أنه يضر وينفع، ويعطي ويمنع، إما بطبعه، وإما بقوة سببية فيه، ويجلب الخير والبركة ويدفع الشر والعسرة، والدليل على اعتقاد هؤلاء الناذرين وشركهم حكيهم وقولهم أنهم قد وقعوا في شدائد عظيمة، فنذروا نذراً لفلان، وفلان، فانكشفت شدائدهم واستراحت خواطرهم، فقد قام في نفوسهم أن هذه النذور هي سبب في حصول مطلوبهم ودفع مرهوبهم، ومن تأمل القرآن وسنة المبعوث به صلى الله عليه وسلم، ونظر أحوال السلف الصالح، علم أن هذا النذر نظير ما جعلته المشركون لآلهتهم في قوله تعالى: هَذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَآئِنَا [الأنعام: ١٣٦]) (٣).

ويتحدث مبارك الميلي (٤) عن واقع أولئك الناس الذين يذبحون لغير الله تعالى، ويبين أنهم إنما يفعلون ذلك عن اعتقاد وطلب للقربى من تلك المعبودات ... فكان مما قاله: (إن كل من خالط العامة، يجزم بأن قصدهم بذبائح الزردة (٥) التقرب من صاحب المزار، ويكشف عن ذلك أشياء: أحدها: أنهم يضيفون الزردة إلى صاحب المزار، فيقولون: زردة سيدي فلان، أو طعام سيدي عبد القادر مثلاً.

ثانيها: إنهم يفعلونها عند قبره، وفي جواره، لا يرضون لها مكاناً آخر.

ثالثها: إنهم إن نزل المطر إثرها، نسبوه إلى سر المذبوح له، وقوي اعتقادهم فيه، وتعويلهم عليه.


(١) ((الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد)) (ضمن الرسائل السلفية) (ص: ٢٠، ٢١).
(٢) اشترك في تأليف هذا الكتاب كل من: الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، وحمد بن معمر، ومحمد بن غريب. انظر للتحقيق في هذا التوثيق كتاب ((دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب)) للكاتب (٥٩، ٦٠).
(٣) ((التوضيح)) (ص: ٣٨٢، ٣٨٣) = باختصار، وانظر ((فتح المنان تتمة منهاج التأسيس)) لمحمود الألوسي (ص: ٤١٨ – ٤٢١).
(٤) مبارك بن محمد الميلي، من علماء الجزائر، عاش في قسنطينة، وولي أمانة سر جمعية علماء الجزائر، له مؤلفات، توفي حوالي سنة ١٣٥٧ هـ. انظر ((معجم المؤلفين)) (٨/ ١٧٥).
(٥) هكذا تسمى الذبائح التي ذبحت لغير الله باسم " الزردة" أو " النشرة " في بعض جهات الجزائر، بينما يسمون ما ينذرون لغير الله بالغفارة انظر ((رسالة الشرك ومظاهره)) لمبارك الميلي (ص: ٢٢٥، ٢٥٦، ٢٦٩)، وفي اليمن يسمون تلك الذبائح بالجلبة، وأما النذور فيطلقون عليها " التلم " انظر ((الدرر السنية)) (٨/ ٢٨٦)، و ((تطهير الاعتقاد)) للصنعاني (ص: ٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>