للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رابعها: - أنهم لو تركوها فأصيبوا بمصيبة، نكسوا على رؤوسهم، وقالوا: إن وليهم غضب عليهم، لتقصيرهم في جانبه) (١).

وفي ختام مسألة الذبح أو النذر لغير الله تعالى، ننبه إلى عدم الخلط بين ما يذبح لغير الله تعالى تقرباً أو تعظيماً فهذا من باب العبادات والقربات، وبين ما يذبح عادة بقصد الأكل أو إكرام ضيف ونحوهما.

ولما ساق النووي كلام بعض علماء الشافعية في هذا الشأن قائلاً:- (وذكر الشيخ إبراهيم المروزي من أصحابنا أن ما يذبح عند استقبال السلطان تقرباً، أفتى أهل بخارى بتحريمه؛ لأنه مما أهل به لغير الله تعالى، قال الرافعي هذا إنما يذبحونه استبشاراً بقدومه كذبح العقيقة لولادة المولود، وقيل هذا لا يوجب التحريم، والله أعلم) (٢).

فقد عقب الميلي على ما سبق إيراده فقال: (ونقله عن الرافعي غير مخالف لفتوى أهل بخارى إلا بالقصد، فهو خلاف في حال. فمن قصد التقرب إلى الأمير، صدقت عليه الفتوى، ومن قصد مجرد السرور أفتى بقول الرافعي) (٣).

وقال سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب معلقاً على هذه المسألة:- (إن كانوا يذبحونه استبشاراً كما ذكر الرافعي فلا يدخل في ذلك، وإن كانوا يذبحونه تقرباً إليه، فهو داخل في الحديث يعني حديث ((لعن الله من ذبح لغير الله)) (٤)) (٥).

كما يجب التفريق بين النذر الشركي المخرج من الملة، وبين نذر المعصية فيما دون ذلك، ونبين ذلك من خلال نص في كتاب (التوضيح عن توحيد الخلاق) حيث جاء فيه ما يلي:- (والنذر غير الجائز قسمان:

أحدهما: نذر فعل معصية، كشرب الخمر، وقتل المعصوم، فيحرم الوفاء به؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من نذر أن يعصي الله فلا يعصه)) (٦)؛ ولأن معصية الله تبارك وتعالى لا تباح في حال من الأحوال ...

الثاني: النذر لغير الله تعالى كالنذر لإبراهيم الخليل، أو محمد النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، أو ابن عباس، أو عبد القادر، أو الخضر، فلا خلاف بين من يعتد به من علماء المسلمين أنه من الشرك الاعتقادي) (٧).

ومن جانب آخر، فقد لبس خصوم عقيدة التوحيد في هذه المسألة، فزعموا أن الذبح لغير الله، وكذا النذر لغيره، إنما هي من المحرمات التي دون الشرك .. ، وذلك بسبب سوء فهمهم للنصوص الشرعية، وكلام أهل العلم، بل ربما نسبوا هذا التلبيس لبعض أئمة السلف) (٨).

وقد قام الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب بكشف هذا التلبيس، وبيان الحق في هذه القضية فكتب جواباً في الرد على ابن سحيم، حين زعم الأخير أن النذر لغير الله حرام ليس بشرك، فقال الشيخ في الرد عليه:


(١) ((رسالة الشرك ومظاهره)) (ص٢٥٧).
(٢) ((صحيح مسلم بشرح النووي)) (١٣/ ١٤١) وانظر ((روضة الطالبين)) للنووي (٣/ ٢٠٥).
(٣) ((رسالة الشرك ومظاهره)) (ص ٢٥٣).
(٤) [٩٨٨٣])) رواه مسلم (١٩٧٨).
(٥) تيسير العزيز الحميد (ص ١٩٢) , وقد أشار الشاطبي في الموافقات إلى هذا التفريق (٢/ ٢١٠).
(٦) [٩٨٨٥])) رواه البخاري (٦٦٩٦).
(٧) ((التوضيح)) (ص: ٣٨٢، ٣٨٣)
(٨) كما فعل ذلك داود بن جرجيس النقشبندي، فزعم أن ابن تيمية وابن القيم لا يرون كفر من ذبح أو نذر لغير الله ... وحرف بعض كلامهما، وبتر البعض الآخر، وأساء الفهم والقصد في هذه المسألة، وقد قام الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ بالرد عليه في كتاب تحت عنوان ((منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس)) وأتمه محمود شكري الألوسي.

<<  <  ج: ص:  >  >>