للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول ابن عطية – في معنى السجود: (واختلف في هذا السجود، فقيل: كان كالمعهود عندنا من وضع الوجه بالأرض، وقيل: بل دون ذلك كالركوع البالغ ونحوه، مما كان سيرة تحياتهم للملوك في ذلك الزمان، وأجمع المفسرون أن ذلك السجود – على أي هيئة كان – فإنما كان تحية لا عبادة، قال قتادة: - هذه كانت تحية الملوك عندهم) (١).

ويقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: (وقد كان سائغاً في شرائعهم، إذا سلموا على الكبير يسجدون له، ولم يزل هذا جائزاً من لدن آدم إلى شريعة عيسى عليه السلام، فحرم هذا في هذه الملة، وجعل السجود مختصًّا بجناب الرب سبحانه وتعالى، هذا مضمون قول قتادة وغيره – إلى أن قال: - والغرض أن هذا كان جائزاً في شريعتهم؛ ولهذا خروا له سجداً) (٢).

ويقول محمد رشيد رضا- عند تفسيره لقوله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ [البقرة: ٣٤]-: (وهو سجود لا نعرف صفته، ولكن أصول الدين تعلمنا أنه ليس سجود عبادة إذ لا يعبد إلا الله تعالى، والسجود في اللغة التطامن والخضوع والانقياد، وأعظم مظاهره الخرور نحو الأرض للأذقان، ووضع الجبهة على التراب، وكان عند القدماء من تحية الناس للملوك والعظماء، ومنه سجود يعقوب وأولاده ليوسف عليهم السلام) (٣).

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها)) (٤).

وعن قيس بن سعد (٥) رضي الله عنه قال: ((أتيت الحيرة، فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم (٦) فقلت: رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يسجد له، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فأنت يا رسول الله أحق أن نسجد لك. قال: أرأيت لو مررت على قبري أكنت تسجد له، قال: لا، قال: - فلا تفعلوا، لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن، لما جعل الله لهم عليهن من الحق)) (٧).

قال الطيبي (٨):


(١) ((تفسير ابن عطية)) (٩/ ٣٧٧،٣٧٨)، وانظر ((تفسير القرطبي)) (١/ ٢٩٣، ٩/ ٢٦٥)
(٢) ((تفسير ابن كثير)) (٢/ ٤٩١) باختصار.
(٣) ((تفسير المنار)) (١/ ٢٦٥).
(٤) رواه أحمد (٣/ ١٥٨) (١٢٦٣٥) والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٥/ ٣٦٣) , الحديث ذكره الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) وقال: رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح غير حفص ابن أخي أنس وهو ثقة, ووافقه الألباني في ((إرواء الغليل)) (٧/ ٥٥).
(٥) هو قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي، صحابي جليل، أمير مجاهد، كان يطعم الناس، وصاحب دهاء، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد، مات سنة ٨٥ هـ. انظر ((الإصابة)) (٥/ ٤٧٣)، و ((سير أعلام النبلاء)) (٣/ ١٠٢).
(٦) أي الفارس الشجاع.
(٧) رواه أبو داود (٢١٤٠) والطبراني (١٨/ ٣٥١) والحاكم (٢/ ٢٠٤) والدارمي (١/ ٤٠٦) وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي, وقال ابن حزم في ((المحلى)) (١٠/ ٣٣٢): ساقط, وقال الذهبي في ((المهذب)) (٦/ ٢٨٧٢): فيه عبد الرحمن بن أبي بكر إن كان ابن شريك فهو ضعيف, وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (٦/ ٣٦٢): في إسناده شريك بن عبد الله القاضي وقد تكلم فيه غير واحد وأخرج له مسلم في المتابعات, وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) دون جملة ((القبر)).
(٨) هو الحسين بن محمد بن عبد الله الطيبي، من علماء الحديث والتفسير، له ردود على المبتدعة، كان كريماً جواداً، له مؤلفات، توفي سنة ٧٤٣ هـ. انظر ((الدرر الكامنة)) ٢/ ١٥٦، و ((البدر الطالع)) (١/ ٢٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>