للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أي: اسجدوا للحي الذي لا يموت، ولمن ملكه لا يزول، فإنك إنما تسجد لي الآن مهابة وإجلالاً، فإذا صرت رهين رمس، امتنعت عنه) (١).

ويبين ابن تيمية هذه المسألة فيقول:

(أما تقبيل الأرض، ووضع الرأس، ونحو ذلك مما فيه السجود، مما يفعل قدام بعض الشيوخ، وبعض الملوك، فلا يجوز، بل لا يجوز الانحناء كالركوع أيضاً، كما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ((الرجل منا يلقى أخاه، أينحني له؟ قال لا ... )) (٢).

وأما فعل ذلك تديناً وتقرباً فهذا أعظم المنكرات، ومن اعتقد مثل هذا قربة وتديناً فهو ضال مفتر، بل يبين له أن هذا ليس بدين ولا قربة، فإن أصر على ذلك استتيب، فإن تاب وإلا قتل) (٣).

ويقول أيضاً:

(وأما وضع الرأس عند الكبراء من الشيوخ وغيرهم، أو تقبيل الأرض ونحو ذلك، فإنه مما لا نزاع فيه بين الأئمة في النهي عنه، بل مجرد الانحناء بالظهر لغير الله عز وجل منهي عنه) (٤).

ويقول في موضع ثالث: (وحجرة نبينا صلى الله عليه وسلم، وحجرة الخليل، وغيرهما من المدافن التي فيها نبي ورجل صالح، لا يستحب تقبيلها ولا التمسح بها باتفاق الأئمة، بل منهي عن ذلك، وأما السجود لذلك فكفر) (٥).

(ج) وإذا انتقلنا إلى الطواف، فإن المراد بالطواف الذي يكون شركاً هو الطواف بغير الكعبة مع قصد التقرب لغير الله تعالى، كالطواف بالقبور والمشاهد ونحوها، فالطواف عبادة؛ لقوله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: ٢٩] , وصرف العبادة أو شيء منها لغير الله شرك، وأما لو طاف بتلك القبور بقصد التقرب إلى الله تعالى فهذا محرم، وبدعة منكرة، ووسيلة لعبادة تلك القبور).

يقول ابن تيمية في هذه المسألة:

(وأما الرجل الذي طلب من والده الحج، فأمره أن يطوف بنفس الأب، فقال: طف ببيت ما فارقه الله طرفة عين قط، فهذا كفر بإجماع المسلمين، فإن الطواف بالبيت العتيق مما أمر الله به رسوله، وأما الطواف بالأنبياء والصالحين فحرام بإجماع المسلمين، ومن اعتقد ذلك دينا فهو كافر، سواء طاف ببدنه أو بقبره) (٦).

ويقول أيضاً:

(ليس في الأرض مكان يطاف به كما يطاف بالكعبة، ومن اعتقد أن الطواف بغيرها مشروع فهو شر ممن يعتقد جواز الصلاة إلى غير الكعبة فمن اتخذ الصخرة اليوم قبلة يصلي إليها فهو كافر مرتد يستتاب، فإن تاب وإلا قتل مع أنها كانت قبلة لكن نسخ ذلك، فكيف بمن يتخذها مكاناً يطاف به كما يطاف بالكعبة؟ والطواف بغير الكعبة لم يشرعه الله بحال ... ) (٧).


(١) ((عون المعبود)) (٦/ ١٨٧).
(٢) رواه الترمذي (٢٧٢٨) وابن ماجه (٣٧٠٢) وأحمد (٣/ ١٩٨) (١٣٠٦٧) والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (٧/ ١٠٠) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه واللفظ للترمذي, ونصه: (قال رجل: يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال لا ..... ) , قال الترمذي هذا حديث حسن, وصححه ابن القيم في ((زاد المعاد)) (٤/ ١٤٨) , وقال ابن الملقن في ((البدر المنير)) (٧/ ٥١٦): في إسناده حنظلة بن عبيد الله البصري ضعفوه ونسبوه إلى الاختلاط, وقال ابن حجر في ((تلخيص الحبير)) (٣/ ١١٦٤): استنكره أحمد لأنه من رواية السدوسي وقد اختلط وتركه يحيى القطان، وحسنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(٣) ((مجموع الفتاوى)) (١/ ٣٧٢) باختصار.
(٤) ((مجموع الفتاوى)) (٢٧/ ٩٢).
(٥) ((مجموع الفتاوى)) (٢٧/ ١٣٦)، وانظر ((تهذيب رسالة البدر الرشيد في الألفاظ المكفرات)) (ص: ٥٠، ٥١).
(٦) ((تهذيب رسالة البدر الرشيد في الألفاظ المكفرات)) (٢/ ٣٠٨).
(٧) ((تهذيب رسالة البدر الرشيد في الألفاظ المكفرات)) (٢٧/ ١٠) باختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>