للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول ابن تيمية في مسألة السجود لغير الله ووسائلها: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، وقال: ((فإنها تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار)) (١) , ونهى عن تحري الصلاة في هذا الوقت، لما فيه من مشابهة الكفار في الصورة، وإن كان المصلي يقصد السجود لله لا للشمس، لكن نهي عن المشابهة في الصورة لئلا يفضي إلى المشاركة في القصد، فإذا قصد الإنسان السجود للشمس وقت طلوع الشمس ووقت غروبها، كان أحق بالنهي والذم والعقاب، ولهذا يكون كافراً، كذلك من دعا غير الله، وحج إلى غير الله هو أيضاً شرك، والذي فعله كفر) (٢).

ويبين ابن تيمية أن السجود الشركي من الأمور المتفق على تحريمها عند الرسل عليهم السلام، فيقول:

(أما السجود لغير الله وعبادته فهو محرم في الدين الذي اتفقت عليه رسل الله، كما قال سبحانه وتعالى: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف: ٤٥]) (٣).

ومما سطره هذا الإمام في مسألة النذر الشركي قوله رحمه الله: (ولا يجوز أن ينذر أحد إلا طاعة، ولا يجوز أن ينذرها إلا لله، فمن نذر لغير الله فهو مشرك. كمن صام لغير الله، وسجد لغير الله، ومن حج إلى قبر من القبور فهو مشرك) (٤).

ويقول أيضاً: (وأما النذر للموتى من الأنبياء والمشائخ وغيرهم، أو لقبورهم أو المقيمين عند قبورهم، فهو نذر شرك ومعصية لله تعالى، سواء كان النذر نفقة أو ذهباً أو غير ذلك، وهو شبيه بمن ينذر للكنائس والرهبان وبيوت الأصنام) (٥).

ويؤكد ابن تيمية على إزالة مثل تلك النذور فيقول: وكل ما ينذر له، أو يعظمه من الأحجار أو الأشجار، ونحوها، يجب أن يزال؛ لأنه يحصل للناس به ضرر عظيم في دينهم، كما كسر الخليل عليه السلام الأصنام، وكما حرق موسى عليه السلام العجل، وكما كسر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأصنام وحرقها لما فتح مكة). (٦) إلى أن قال: (ومن قال أنه يشفى بمثل نذره لهذه الأشياء فهو كاذب، بل يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، فإنه مكذب لله ورسوله ... ) (٧).

وأورد الشاطبي مثال من ذبح لغير الله تعالى مع أمثلة أخرى على مسألة قررها بقوله: (كل من ابتغى في تكاليف الشريعة غير ما شرعت له فقد ناقض الشريعة، وكل من ناقضها فعمله في المناقضة باطل، فمن ابتغى في التكاليف ما لم تشرع له فعمله باطل ... ؛ لأن الأخذ في خلاف مقاصد الشريعة مشاقة ظاهرة، والله تعالى يقول: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [النساء: ١١٥] , كما أن القاصد لخلاف الشرع مستهزئ بآيات الله وأحكامه، والله تعالى يقول: وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللهِ هُزُوًا [البقرة: ٢٣١]) (٨).


(١) رواه مسلم (٨٣٢) من حديث عمرو بن عبسة السلمي.
(٢) ((الرد على الأخنائي)) (ص: ٦١)، وانظر ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (٢٧/ ١١، ٢٣، ١١/ ٥٠٢) و ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (٢/ ٧٦٨).
(٣) ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (١/ ١٩٢).
(٤) ((منهاج السنة)) (٢/ ٤٤٠).
(٥) ((مجموع الفتاوى)) (١١/ ٥٠٤).
(٦) رواه البخاري (٢٤٧٨) ومسلم (١٧٨١) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصبا فجعل يطعنها بعود كان بيده .... ))
(٧) ((مختصر الفتاوى المصرية)) (ص ٥٥١)، وانظر ((الفتاوى)) (٣٣/ ١٢٣)، و ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (٢/ ٦٤٤ - ٦٤٦).
(٨) انظر: ((الموافقات)) (٢/ ٣٣٣ – ٣٣٥) باختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>