للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أراد الله سعادته؛ جعله يعتبر بما أصاب غيره، فيسلك مسلك من أيَّده الله ونصره، ويجتنب مسلك من خذله الله وأهانه؛ فإن الله يقول في كتابه: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:٤٠ - ٤١].

فقد وعد الله بنصر من ينصره، ونصره هو نصر كتابه ودينه ورسوله، لا نصر من يحكم بغير ما أنزل الله ويتكلم بما لا يعلم؛ فإن الحاكم إذا كان ديِّنًا، لكنه حكم بغير علم؛ كان من أهل النار، وإن كان عالمًا؛ لكنه حكم بخلاف الحق الذي يعلمه؛ كان من أهل النار، وإذا حكم بلا عدل ولا علم؛ كان أولى أن يكون من أهل النار.

وهذا إذا حكم في قضية معينة لشخص، وأما إذا حكم حكماً عامًّا في دين المسلمين (١)، فجعل الحق باطلاً والباطل حقًّا، والسنة بدعة والبدعة سنة، والمعروف منكرًا والمنكر معروفًا، ونهى عما أمر الله به ورسوله؛ فهذا لون آخر، يحكم فيه رب العالمين، وإله المرسلين، مالك يوم الدين، الذي لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون [القصص:٧٠]، الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفي بِاللَّهِ شَهِيدًا [الفتح:٢٨]. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم (٢).

أقوال العلماء في التشريع العام:

١ - قول العلامة ابن حزم الأندلسي:

(لا خلاف بين اثنين من المسلمين ... أن من حكم بحكم الإنجيل مما لم يأتِ بالنص عليه وحي في شريعة الإسلام فإنه كافر مشرك خارج عن الإسلام) (٣).

٢ - قول شيخ الإسلام ابن تيمية:

(نُسَخُ هذه التوراة مبدلة لا يجوز العمل بما فيها، ومن عمل اليوم بشرائعها المبدَّلة والمنسوخة فهو كافر) (٤).

٣ - قول الحافظ ابن القيم:

(قالوا: وقد جاء القرآن وصحَّ الإجماع بأنَّ دين الإسلام نَسَخَ كل دين كان قبله، وأنَّ من التزم ما جاءت به التوراة والإنجيل ولم يتبع القرآن فإنَّه كافر، وقد أبطل الله كلَّ شريعة كانت في التوراة والإنجيل وسائر الملل، وافترض على الجن والإنس شرائع الإسلام؛ فلا حرام إلا ما حرمه الإسلام، ولا فرض إلا ما أوجبه الإسلام) (٥).

٤ - قول الحافظ ابن كثير:

(من ترك الشرع المحكم المنزل على محمد خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة؛ كفر. فكيف بمن تحاكم إلى الياسق (٦) وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين) (٧).


(١) شيخ الإسلام هنا يفرق بين الحكم في قضية معينة والحكم العام أو التشريع العام، واعلم أن الحكم في قضية أو قضايا معينة كفر وذنب عظيم، وهو من باب كفر دون كفر، أمَّا التشريع العام فنصوص العلماء قديمًا وحديثًا - بل قد نَقَل ابن حزم وابن القيم وابن كثير الإجماع - على أنه كفر أكبر مخرج من الملة، كثيرة جدًا، ويمكن جمعها في كتاب، لكن سأكتفي هنا بنقل بعضٍ منها.
(٢) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (٣٥/ ٣٨٧ - ٣٨٨).
(٣) ((الإحكام في أصول الأحكام)) (٥/ ١٧٣).
(٤) ((مجموع الفتاوى)) (٣٥/ ٢٠٠)، بتصرف يسير.
(٥) ((أحكام أهل الذمة)) (١/ ٢٥٩). قال السقاف: إذا كان من اتبع التوراة أو الإنجيل عند ابن حزم وابن تيمية وابن القيم كافرًا؛ فكيف بمن اتبع القوانين الوضعية التي هي من صنع البشر وحثالة عقولهم؟!
(٦) و (الياسق) ويقال: (الياسا): هي قوانين جنكيز خان التتاري الذي ألزم الناس بالتحاكم إليها.
(٧) ((البداية والنهاية)) (١٣/ ١١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>