للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال في تفسير سورة المائدة (الآية -٥٠): (ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خيرٍ، الناهي عن كل شرٍّ، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال (١) بلا مستند من شريعة الله ... ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير. ملحق العقيدة الواسطية لعلوي بن عبد القادر السقاف – ص: ١٨

لقد وصف الله الحاكمين بغير ما أنزل الله بثلاثة أوصاف:

قال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:٤٤].

وقال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:٤٥].

وقال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:٤٧].

واختلف أهل العلم مع ذلك:

فقيل: إن هذه الأوصاف لموصوف واحد، لأن الكافر ظالم، لقوله تعالى: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:٢٥٤]، وفاسق، لقوله تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ [السجدة:٢٠]، أي: كفروا.

وقيل: إنها لموصوفين مُتعدِّدين، وإنها على حسب الحكم، وهذا هو الراجح.

فتكون كافراً في ثلاثة أحوال:

أ- إذا اعتقدت جواز الحكم بغير ما أنزل الله، بدليل قوله تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ [المائدة:٥٠]، فكل ما خالف حكم الله، فهو من حكم الجاهلية، بدليل الإجماع القطعي على أنه لا يجوز الحكم بغير ما أنزل الله فالمُحلُّ والمُبيح للحكم بغير ما أنزل الله مخالف لإجماع المسلمين القطعي، وهذا كافر مرتد، وذلك كمن اعتقد حلَّ الزنا أو الخمر أو تحريم الخبز أو اللبن.

ب- إذا اعتقدت أن حكم غير الله مثل حكم الله.

جـ- إذا اعتقدت أن حكم غير الله أحسن من حكم الله.

بدليل قوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائده:٥٠]، فتضمنت الآية أن حكم الله أحسن الأحكام، بدليل قوله تعالى مقرراً ذلك: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ [التين:٨]، فإذا كان الله أحسن الحاكمين أحكاماً وهو أحكم الحاكمين؛ فمن ادَّعى أن حكم غير الله مثل حكم الله أو أحسن فهو كافر لأنه مُكذّب للقرآن.

ويكون ظالماً: إذا اعتقد أن الحكم بما أنزل الله أحسن الأحكام، وأنه أنفع للعباد والبلاد، وأنه الواجب تطبيقه، ولكن حمله البغض والحقد للمحكوم عليه حتى حكم بغير ما أنزل الله، فهو ظالم.

ويكون فاسقاً: إذا كان حكمه بغير ما أنزل الله لهوي في نفسه مع اعتقاده أن حكم الله هو الحق، لكن حكم بغيره لهوى في نفسه، أي محبة لما حكم به لا كراهية لحكم الله ولا ليضر أحداً به، مثل: أن يحكم لشخصٍ برشوةٍ رُشِيَ إياها، أو لكونه قريباً أو صديقاً، أو يطلب من ورائه حاجة، وما أشبه ذلك مع اعتقاده بأن حكم الله هو الأمثل والواجب اتباعه، فهذا فاسق، وإن كان أيضاً ظالماً، لكن وصف الفسق في حقه أولي من وصف الظلم.

أما بالنسبة لمن وضع قوانين تشريعية مع علمه بحكم الله وبمخالفة هذه القوانين لحكم الله، فهذا قد بدل الشريعة بهذه القوانين، فهو كافر لأنه لم يرغب بهذا القانون عن شريعة الله إلا وهو يعتقد أنه خير للعباد والبلاد من شريعة الله، وعندما نقول بأنه كافر، فنعني بذلك أن هذا الفعل يوصل إلى الكفر.

ولكن قد يكون الواضع له معذوراً، مثل أن يغرر به كأن يقال: إن هذا لا يخالف الإسلام، أو هذا من المصالح المرسلة، أو هذا مما رده الإسلام إلى الناس ...

ومن سَنَّ قوانين تخالف الشريعة وادَّعى أنها من المصالح المرسلة، فهو كاذب في دعواه؛ لأن المصالح المرسلة والمقيدة إن اعتبرها الشرع ودل عليها فهي حق ومن الشرع، وإن لم يعتبرها، فليست مصالح، ولا يمكن أن تكون كذلك، ولهذا كان الصواب أنه ليس هناك دليل يسمى بالمصالح المرسلة، بل ما اعتبره الشرع، فهو مصلحة، وما نفاه، فليس بمصلحة، وما سكت عنه، فهو عفو ... القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين - ٢/ ٢٢٣


(١) ليس هناك وصف للقوانين الوضعية أبلغ من هذا الوصف: آراء وأهواء واصطلاحات وضعها الرجال.

<<  <  ج: ص:  >  >>