للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتأوله بعضهم على المراء في قراءاته دون تأويله ومعانيه، مثل أن يقول قائل: هذا قرآن قد أنزله الله تبارك وتعالى، ويقول الآخر: لم ينزله الله هكذا، فيكفر به من أنكره، وقد أنزل سبحانه كتابه على سبعة أحرف كلها شافٍ كافٍ، فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن إنكار القراءة التي يسمع بعضهم بعضاً يقرؤها، وتوعدهم بالكفر عليها لينتهوا عن المراء فيه والتكذيب به (١).

فإذا كان الشك في القرآن يعد كفراً، فإن إنكاره أشد كفراً.

هـ- حكى أهل العلم الإجماع على كفر من أنكر الكتب المنزلة أو بعضها - ولو كانت آيةً واحدةً - وكذا أجمعوا على كفر المستهزئ بهذه الكتب المنزلة. فهذا ابن عبد البر يحكي الإجماع قائلاً: وأجمع العلماء أن ما في مصحف عثمان وهو الذي بأيدي المسلمين اليوم في أقطار الأرض حيث كانوا، هو القرآن المحفوظ الذي لا يجوز لأحد أن يتجاوزه، ولا تحل الصلاة لمسلم إلا بما فيه ... - إلى أن قال: - وإنما حلّ مصحف عثمان رضي الله عنه هذا المحل، لإجماع الصحابة وسائر الأمة عليه، ولم يجمعوا على ما سواه ... ويبين لك أن من دفع شيئاً مما في مصحف عثمان كفر (٢).

وينقل ابن عبد البر الإجماع الذي حكاه إسحاق بن راهويه، حيث قال إسحاق: قد أجمع العلماء أن من سبّ الله عز وجل، أو سبّ رسوله صلى الله عليه وسلم، أو دفع شيئاً أنزله الله، أو قتل نبياً من أنبياء الله، وهو مع ذلك مقرّ بما أنزل الله أنه كافر.

فإذا كان دفع شيء أنزله الله كفراً بالإجماع ولو كان مقراً به، فما بالك بمن أنكر هذا الوحي؟.

ويقول القاضي عياض: اعلم أن من استخفّ بالقرآن، أو المصحف، أو بشيءٍ منه، أو سبّهما، أو جحده، أو حرفاً منه أو آيةً، أو كذّب به، أو بشيءٍ منه، أو كذّب بشيءٍ مما صرح به فيه من حكم، أو خبر، أو أثبت ما نفاه، أو نفى ما أثبته على علمٍ منه بذلك، أو شك في شيءٍ من ذلك فهو كافر عند أهل العلم بإجماعٍ، قال الله تعالى: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:٤٢].

وكذلك إنْ جحد التوارة والإنجيل وكتب الله المنزلة، أو كفر بها، أو لعنها، أو سبها، أو استخف بها فهو كافر.

وقال أبو عثمان الحداد: جميع من ينتحل التوحيد متفقون أن الجحد لحرف من التنزيل كفر (٣).

ويقول ابن حزم: من قال: إن القرآن نقص من بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم حرف أو زيد فيه حرف، أو بُدِّلَ منه حرف، أو أن هذا المسموع أو المحفوظ أو المكتوب أو المنزل ليس هو القرآن، وإنما هو حكاية القرآن، وغير القرآن، أو قال: إن القرآن لم ينزل به جبريل صلى الله عليه وسلم على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، أو أنه ليس هو كلام الله تعالى فهو كافر، خارج عن دين الإسلام؛ لأنه خالف كلام الله عز وجل، وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإجماع أهل الإسلام (٤).

ويقول ابن قدامة: ولا خلاف بين المسلمين أجمعين أن من جحد آية، أو كلمة متفقاً عليها أو حرفاً متفقاً عليه أنه كافر (٥).

- وإذا تقرر أوجه كون الإنكار أو الاستهزاء بالوحي من نواقض الإيمان، فإننا نسوق طرفاً من كلام العلماء في هذه المسألة كما يلي:


(١) ((معالم السنن)) مع ((سنن أبي داود)) (٥/ ٩)، وانظر: ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (٢/ ٩١) و ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (١٤/ ٣٠٢).
(٢) ((التمهيد)) (٤/ ٢٧٨، ٢٧٩).
(٣) ((الشفا)) (٢/ ١١٠١ - ١١٠٥) باختصار.
(٤) ((الدرة فيما يجب اعتقاده)) (ص٢٢٠, ٢٢١)، وانظر قريباً من هذا الكلام في: ((المحلى)) (١/ ١٥, ١٦, ٣٩)، و ((الفصل)) (٥/ ٤٠).
(٥) ((حكاية المناظرة في القرآن مع بعض أهل البدعة)) (ص٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>