للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أذى الرسول صلى الله عليه وسلم أو عيبه ولمزه:

وهذا داخل في سبّه صلى الله عليه وسلم لأن السب: هو الكلام الذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف .... (١) والعيب، واللمز فيه انتقاص.

قال تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ [التوبة:٥٨]

نزلت هذه الآية في ذي الخويصرة التميمي حينما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم غنائم حنين، فقال: اعدل يا رسول الله، فقال: ((ويلك، ومن يعدل إذ لم أعدل؟)) قال عمر بن الخطاب: دعني أضرب عنقه، قال: ((دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)) ... قال أبو سعيد: أشهد سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علياً قتلهم وأنا معه، جيء بالرجل على النعت الذي نعته النبي صلى الله عليه وسلم قال: فنزلت فيه: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ (٢).

قال الإمام الشوكاني في تفسيرها: قوله: ومنهم من يلمزك، يقال: لمزه يلمزه: إذا عابه، قال الجوهري: اللمز العيب، وأصله الإشارة بالعين ونحوها، ومعنى الآية: ومن المنافقين من يعيبك في الصدقات: أي في تفريقها وقسمتها (٣).

وقال في آيةٍ أخرى: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة:٦١] إلى قوله سبحانه: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ [التوبة:٦٣]

قال شيخ الإسلام رحمه الله: فعلم أن إيذاء رسول الله محادة لله ولرسوله لأن ذكر الإيذاء هو الذي اقتضى ذكر المحادة، فيجب أن يكون داخلاً فيه، ولولا ذلك لم يكن الكلام مؤتلفاً، ... ودل ذلك على أن الإيذاء والمحادة كفر لأنه أخبر أن له نار جهنم خالداً فيها ... (٤) وقال الشوكاني رحمه الله في تفسير هذه الآية: قوله: ومنهم؛ هذا نوع آخر مما حكاه الله من فضائح المنافقين وقبائحهم، وذلك أنهم كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم على وجه الطعن والذم هو أذن، قال الجوهري: يقال رجل أذن: إذا كان يسمع مقال كل أحد، يستوي فيه الواحد والجمع ومرادهم، أقمأهم الله، أنهم إذا آذوا النبي صلى الله عليه وسلم وبسطوا فيه ألسنتهم، وبلغه ذلك اعتذروا له وقبل ذلك منهم، لأنه يسمع كل ما يقال له فيصدقه، وإنما أطلقت العرب على من يسمع ما يقال له فيصدقه أنه أذن مبالغة، لأنهم سموه بالجارحة التي هي آلة السماع، حتى كأن جملته أذن سامعة، ... وإيذاؤهم له وهو قولهم هُوَ أُذُنٌ لأنهم نسبوه إلى أنه يصدق كل ما يقال له ولا يفرق بين الصحيح والباطل اغتراراً منهم بحلمه عنهم، وصفحه عن خباياهم كرماً وحلماً وتغاضياً ... (٥).

وهذه الآية والتي قبلها ذكرهما شيخ الإسلام ضمن الآيات الدالات على كفر شاتم الرسول وقتله.

وذكر أن إيذاء الرسول ولمزه من الصفات الدالة على نفاق صاحبها فقال رحمه الله: وذلك أن الإيمان والنفاق، أصله في القلب، وإنما الذي يظهر من القول والفعل فرع له ودليل عليه، فإذا ظهر من الرجل شيء من ذلك ترتب الحكم عليه، فلما أخبر سبحانه أن الذين يلمزون النبي صلى الله عليه وسلم، والذين يؤذونه من المنافقين، ثبت أن ذلك دليل على النفاق وفرع له، معلوم أنه إذا حصل فرع الشيء ودليله حصل أصل المدلول عليه، فثبت أنه حيث ما وجد ذلك كان صاحبه منافقاً سواء كان منافقاً قبل هذا القول أو حدث له النفاق بهذا القول (٦) وهذا السبّ من الإيذاء واللمز والاستخفاف منافٍ لعمل القلب من الانقياد والاستسلام ومحال أن يهين القلب من قد انقاد له وخضع واستسلم أو يستخف به، فإذا حصل في القلب استخفاف واستهانة امتنع أن يكون فيه انقياد واستسلام، فلا يكون فيه إيمان، وهذا هو بعينه كفر إبليس، فإنه سمع أمر الله فلم يكذب رسولاً ولكن لم ينقد للأمر ولم يخضع له واستكبر عن الطاعة فصار كافرا (٧). نواقض الإيمان الاعتقادية لمحمد بن عبدالله بن علي الوهيبي – ٢/ ١٦١


(١) ((الصارم المسلول)) (ص: ٥٦١).
(٢) رواه البخاري (٦٩٣٣)، ومسلم (١٠٦٤). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٣) ((فتح القدير)) (٢/ ٥٤٠).
(٤) ((الصارم المسلول)) (ص: ٣٨).
(٥) ((فتح القدير)) (٢/ ٥٤٦).
(٦) ((الصارم المسلول)) (ص: ٣٥).
(٧) ((الصارم المسلول)) (ص: ٥٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>