زاد عبدُالله: سألتُ أبي عمن شتم النبيَّ صلى الله عليه وسلم، يُستتاب؟ قال: قد وجب عليه القتلُ، ولا يُستتاب؛ خالد بن الوليد قَتَلَ رجلاً شتم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يَسْتَتِبْه، (رواهما) أبو بكر في (الشافي)، وفي رواية أبي طالب: سئل أحمدُ عمن شتم النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال: يُقْتَلُ، قد نَقَضَ العَهْدَ. وقال حرب: سألتُ أحمد عن رجلٍ من أهل الذمة شتم النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال: يقتل، إذا شتم النبيَّ صلى الله عليه وسلم. رواهما الخَلاَّل، وقد نص على هذا في (غير) هذه الجوابات.
فأقوالُه كلُّها نصٌّ في وجوب قتله، وفي أنه قد نقض العهد، وليس عنه في هذا اختلافٌ.
وكذلك ذَكَرَ عامةُ أصحابه متقدمُهُمْ ومتأخرهم، لم يختلفوا في ذلك.
.... قولُه سبحانه: أَلَمْ يَعْلَمُوا أنَّهُ مَنْ يُحَادِد اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلكَ الخِزْيُ العَظِيم [التوبة:٦٣]، فإنه يدلُّ على أنَّ أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم مُحَادَّةٌ لله ولرسوله؛ لأنه قال هذهِ الآيةَ (عَقِبَ) قوله تعالى: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ [التوبة:٦١]. ثم قال: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة:٦٢ - ٦٣]، فلو لم يكونوا بهذا الأذى مُحَادِّين لم يحسن أن يوعَدُوا بأنَّ للمحاد نار جهنَّم؛ لأنه يمكن حينئذٍ أن يقال: قد علموا أن للمحاد نارَ جهنَّم؛ لكنهم لم يحادّوا، وإنما آذَوْا، فلا يكون في الآية وعيدٌ لهم؛ فعُلِم أنَّ هذا الفعل لابُدَّ أن يندرج في عموم المحادَّة؛ ليكون وعيدُ المحادِّ وعيداً له ويلتئمُ الكلامُ.
ويدلُّ على ذلك أيضاً ما روى الحاكمُ (صحيحه) بإسناد صحيح عن ابن عباس أنَّ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ في ظِلِّ حُجْرَةٍ من حُجرِهِ، وَعِنْدَهُ نَفَرٌ مِنَ المسْلِمينَ، فَقَالَ:((إنَّهُ سَيَأْتِيكُمْ إنْسَانٌ يَنْظُر إليكم بِعَيْنِ شَيْطَانٍ، فَإذَا أَتَاكُمْ فَلا تُكَلِّمُوهُ، فَجَاء رَجُلٌ أزْرَقُ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: عَلامَ تَشْتُمُني أنْتَ وَفُلانٌ وَفُلانٌ، فانْطَلَقَ الرَّجُلُ، فَدَعَاهُمْ فَحَلَفُوا بِاللهِ وَاعْتَذَرُوا إلَيْهِ فأنزل اللهُ تعالى: يوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ [المجادلة:١٨]، ثم قال بعدَ ذلك: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:٥] فعُلم أنَّ هذا داخلٌ في المحادَّةِ)) (١) ...
وإذا كان الأذى مُحَادَّةً للهِ ولرسولِهِ فقد قالَ اللهُ تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:٢٠ - ٢١] والأذلُّ: أبلغُ مِن الذليلِ، ولا يكون أذلَّ حتى يخاف على نفسه وماله إنْ أظهر المحادَّة؛ لأنه (إنْ) كان دمُه ومالُه معصوماً لا يُسْتَبَاح فليس بأذلَّ، ... وأما الآيات الدَّالة على كفر الشاتم وقتله، أو على أحدهما، إذا لم يكن مُعَاهِداً - إن كان مظهراً للإسلام - فكثيرة، مع أن هذا مُجْمَعٌ عليه الصارم المسلول لابن تيمية - بتصرف - ٢/ ١٣
(١) رواه الحاكم (٢/ ٥٢٤)، والحديث: رواه أحمد (١/ ٣٥٠) (٣٢٧٧). قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.