للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الله تعالى: أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا [النساء:٨٢]، يقول ابن جرير في تفسير هذه الآية: يعني جل ثناؤه بقوله: أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ: أفلا يتدبر المبيتون غير الذي تقول لهم يا محمد كتاب الله فيعملوا حجة الله عليهم في طاعتك واتباع أمرك، وأن الذي أتيتهم به من التنزيل من عند ربهم لاتِّساق معانيه، وائتلاف أحكامه وتأييد بعضه بعضاً بالتصديق، وشهادة بعضه لبعض بالتحقيق، فإن ذلك لو كان من عند غير الله لاختلفت أحكامه، وتناقضت معانيه، وأبان بعضه عن فساد بعض (١).

ويقول ابن عطية: قوله: أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ هذا أمر بالنظر والاستدلال ثم عرف تعالى، بمواقع الحجة، أي: لو كان من كلام البشر لدخله ما في كلام البشر من القصور وظهر فيه تناقض والتنافي الذي لا يمكن جمعه، إذ ذلك موجود في كلام البشر والقرآن منّزه عنه إذ هو كلام المحيط بكل شيءٍ علماً.

فإن عرضت لأحد شبهة وظن اختلافاً في شيءٍ من كتاب الله، فالواجب أن يتَّهم نظره ويسأل من هو أعلم منه (٢).

ويقول محمد رشيد رضا: وإن تعجب فعجب أن تمر السنون والأحقاب، وتكر القرون والأجيال، وتتسع دوائر العلوم والمعارف، وتتغير أحوال العمران ولا تنقض كلمة من كلمات القرآن، لا في أحكام الشرع، ولا في أحوال الناس وشؤون الكون، ولا في غير ذلك من فنون القول (٣).

ويقول الله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:٩].

يقول ابن جرير في تفسير هذه الآية: يقول تعالى ذكره: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وهو القرآن وإنا وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ من أن يزاد فيه باطل ما ليس منه، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه (٤).

ويقول أبو السعود: وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ من كل ما لا يليق به فيدخل فيه تكذيبهم له واستهزاؤهم به دخولاً أولياً، فيكون وعيداً للمستهزئين، وأما الحفظ عن مجرد التحريف والزيادة والنقص وأمثالها فليس بمقتضى المقام، فالوجهُ الحملُ على الحفظ من جميع ما يقدح فيه من الطعن فيه، والمجادلة في حقّيته، ويجوز أن يراد حفظه بالإعجاز دليلاً على التنزيل من عنده تعالى، إذ لو كان من عند غير الله لتطرّق عليه الزيادة والنقص والاختلاف (٥).

ويقول الألوسي: وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ، أي: من كل ما يقدح فيه كالتحريف والزيادة والنقصان وغير ذلك، حتى إن الشيخ المهيب لو غيّر نقطة يردّ عليه الصبيان ويقول له من كان: الصواب كذا.

ولم يحفظ سبحانه كتاباً من الكتب كذلك، بل استحفظها جلّ وعلا الربانيين والأحبار فوقع فيها ما وقع، وتولّى حفظ القرآن بنفسه سبحانه فلم يزل محفوظاً أولاً وآخراً (٦).

وعقد الإمام البخاري في (صحيحه) باباً بعنوان: (باب من قال: لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما بين الدفتين) وساق بسنده إلى عبدالعزيز بن رفيع حيث قال: دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس رضي الله عنهما، فقال شداد بن معقل: أترك النبي صلى الله عليه وسلم من شيءٍ؟ قال: ما ترك إلا ما بين الدفتين؛ قال: ودخلنا على محمد بن الحنفية فسألناه، فقال: ما ترك إلا ما بين الدفتين (٧).


(١) ((تفسير الطبري)) (٨/ ٥٦٧).
(٢) ((تفسير ابن عطية)) (٤/ ١٨٧، ١٨٨).
(٣) ((تفسير المنار)) (٥/ ٢٨٩).
(٤) ((تفسير الطبري)) (١٧/ ٦٨). وانظر: ((تفسير ابن كثير)) (٢/ ٥٢٨)، و ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (١٠/ ٥).
(٥) ((تفسير أبي السعود)) (٣/ ٢٩٦). وانظر: ((فتح القدير)) للشوكاني (٣/ ١٢٢).
(٦) ((روح المعاني)) (١٤/ ١٦) باختصار.
(٧) رواه البخاري (٥٠١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>