للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول القرطبي: لا خلاف بين الأمة ولا بين الأئمة أهل السنة أن القرآن اسم لكلام الله تعالى الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم معجزة له، وأنه محفوظ في الصدور، مقروء بالألسنة، مكتوب في المصاحف، معلومة على الاضطرار سوره وآياته، مبرأ من الزيادة والنقصان حروفه وكلماته، فلا يحتاج في تعريفه بحد، ولا في حصره بعد، فمن ادعى زيادة عليه أو نقصاناً منه فقد أبطل الإجماع، وبهت الناس، ورد ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن المنزل عليه، ورد قوله تعالى: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:٨٨]، وأبطل آية رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه إذا ذاك يصير القرآن مقدوراً عليه، حين شيب بالباطل، ولما قدر عليه لم يكن حجة ولا آية، وخرج عن أن يكون معجزاً. (١).

(د) أن الاستهانة بالمصحف - تحريفاً أو تبديلاً - استهانةً بالدين، وهدم لأصول هذه الشريعة وفروعها، وهو طعن في تمام دين الإسلام وكماله.

ولذا يقول ابن حزم: والدين قد تمّ فلا يُزاد فيه ولا يُنقص منه، ولا يبدّل.

قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:٣]

وقال تعالى: لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ [يونس:٦٤]، والنقص والزيادة تبديل (٢).

ويقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب: ومن اعتقد عدم صحة حفظه (أي: المصحف) من الإسقاط، واعتقد ما ليس منه أنه منه، قد كفر، ويلزم من هذا رفع الوثوق بالقرآن كله، وهو يؤدي إلى هدم الدين، ويلزمهم عدم الاستدلال به، والتعبد بتلاوته، لاحتمال التبدل، ما أخبث قول قوم يهدم دينهم. (٣).

وعندما تحدث محمود شكري الألوسي عن القرآن الكريم، وأنه محفوظ عن الزيادة والنقصان، ثم ذكر معتقد الاثني عشرية في القرآن ... قال بعد ذلك: والحقّ ما ذهب إليه أهل السنة وجمهور الفرق الإسلامية أنه ليس في القرآن تحريف ولا نقصان، وذلك لأن الله تعالى قال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:٩].

وإذا كان الله تعالى الحافظ له، فكيف يتمكن أحد من تحريفه؟! (ذلك) لأن تبليغ القرآن كان واجباً على الرسول عليه الصلاة والسلام إلى كافة الناس، أو بمن اتبعه ...

ولم يزل المسلمون يتعبدون بتلاوته آناء الليل، وأطراف النهار، ويرون ذلك من أفضل الطاعات والأعمال من زمن النبي عليه الصلاة والسلام إلى زمننا هذا، وكل ما في هذا شأنه لا يمكن تغييره ولا إسقاط شيء منه، ولأنه لو كان فيه تحريف بتغيير أو نقصان لم يبق وثوق بالأحكام (٤).

هـ- أجمع العلماء على كفر من استهان بالمصحف، وخروجه عن الملة، وقد نقل هذا الإجماع جماعة من أهل العلم ونورد هاهنا ما يلي:

ذكر ابن حزم أن العلماء اتفقوا على: أن كل ما في القرآن حق، وأن من زاد فيه حرفاً من غير القراءات المروية المحفوظة المنقولة نقل الكافة، أو نقص حرفاً، أو بدل منه حرفاً مكان حرف، وقد قامت عليه الحجة أنه من القرآن فتمادى متعمداً لكل ذلك عالماً بأنه بخلاف ما فعل فإنه كافر (٥).


(١) ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (١/ ٨٠ - ٨١).
(٢) ((المحلى)) (١/ ٣١).
(٣) ((رسالة في الرد على الرافضة)) (ص١٤).
(٤) ((السيوف المشرقة مختصر الصواعق المحرقة)) (مخطوط) (ق١٢٩) باختصار.
(٥) ((مراتب الإجماع)) (ص١٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>