للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمثلاً في شأن الملائكة عليهم السلام يقول الله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:٢٨٦].

ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا [النساء:١٣٦].

يقول الألوسي في تفسيره لقول تعالى: وَمَن يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ .. الآية، أي: بشيءٍ من ذلك فإن الحكم المتعلق بالأمور المتعاطفة بالواو قد يرجع إلى كل واحدٍ، وقد يرجع إلى المجموع، والتعويل على القرائن، وهاهنا قد دلت القرينة على الأول؛ لأن الإيمان بالكل واجب، والكل ينتفي بانتفاء البعض ... (١).

وأما الجن فقد أفاض القرآن الكريم والسنة النبوية في الحديث عن الجن وأحوالهم، وانفردت سورة كاملة في الحديث عن نفر من الجن استمعوا للقرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء هذا مفصلاً في سورة (الجن)، قال تعالى: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا [الجن:١].

يقول ابن بطة: فمن أنكر الجن فهو كافر بالله، جاحد بآياته، مكذب بكتابه (٢).

ويقول ابن حزم: لكن لما أخبرت الرسل الذين شهد الله عز وجل بصدقهم، مما أبدى على أيديهم من المعجزات ... بنصّ الله عز وجل على وجود الجن في العالم، وجب ضرورة العلم بخلقهم ووجودهم، وقد جاء النص بذلك، وبأنهم أمة عاقلة مميزة متعبدة، موعودة متوعدة متناسلة يموتون ... فمن أنكر الجن، أو تأوّل فيهم تأويلاً يخرجهم به عن هذا الظاهر، فهو كافر مشرك حلال الدم والمال (٣).

ويقول القرطبي - في هذا الشأن-: وقد أنكر جماعة من كفرة الأطباء والفلاسفة الجن، اجتراءً على الله وافتراءً، والقرآن والسنة ترد عليهم (٤).

ويقول ابن تيمية: وجود الجن ثابت بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واتفاق سلف الأمة، وأئمتها، وكذلك دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أهل السنة والجماعة (٥).

ويقول في موضع آخر: إن وجود الجن قد تواترت به أخبار الأنبياء تواتراً معلوماً بالاضطرار، ومعلوم بالاضطرار أنهم أحياء عقلاء، فاعلون بالإرادة، بل مأمورون منهيون، ليسوا صفاتاً، وأعراضاً قائمة بالإنسان أو غيره كما يزعمه بعض الملاحدة. فلما كان أمر الجن متواتراً عن الأنبياء تواتراً ظاهراً تعرفه العامة والخاصة لم يكن لطائفة كبيرة من طوائف المؤمنين بالرسل أن تنكرهم (٦).

ويقول الألوسي: ونفي الجن كفر صريح كما لا يخفى (٧).

كما أن إنكار الملائكة والجن مناقض للإيمان بالكتب المنزلة، فالإيمان بالكتب يتضمن الإقرار بها وتصديقها، وإنكار الملائكة والجن هو تكذيب وجحود لآيات الله تعالى، فهو يناقض هذا الإقرار والتصديق، ومن ثَمَّ فقد توعّد الله تعالى أولئك المنكرين لآياته، المكذبين بها بالعذاب المهين والخلود في نار جهنم.


(١) ((روح المعاني)) للألوسي (٥/ ١٧٠).
(٢) ((الإبانة الصغرى)) (ص٢١٣) باختصار.
(٣) ((الفصل)) (٥/ ١١٢).
(٤) ((تفسير القرطبي)) (١٩/ ٦).
(٥) ((مجموع الفتاوى)) (٢٤/ ٢٧٦)، وانظر: (٢٤/ ٢٧٧، ٢٨٠، ٢٨٢).
(٦) ((مجموع الفتاوى)) (١٩/ ١٠)، انظر: ((الرد على المنطقيين)) (ص: ٤٨٩، ٤٩٠).
(٧) ((روح المعاني)) (٢٩/ ٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>